إن توزان الظل هو دبلوماسية الغرف المغلقة ببنيتها الإيجابية.. ففي مقالتي بتاريخ 17/2/2023 والتي نشرتها صحيفة الرأي تحت عنوان «ارتدادات الزلزال.. البعد السياسي اردنيا».
أشرت بكل وضوح إلى أن تحرك الدبلوماسية الأردنية نحو دمشق رغم بعده الإنساني وهو بعد تقليدي في الدبلوماسية الأردنية، ولكنه بالتوازي مع زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق وأنقرة قد أعطى هذا البعد سمة أخرى، ولذلك قد اشرت في تلك المقالة حينها إلى أن هناك أبعادا أخرى للدبلوماسية الأردنية في سياق التجاذبات السياسية والدبلوماسية الجديدة، وفي تلك المقالة قلت «أن ذلك يعطي مجالا للاستنتاج أن هذه الزيارة ستمهد إلى خلق جسور اخرى بين سوريا وتركيا بوساطة أردنية محورية كون كلا البلدين بأمس الحاجة لذلك في ظل الظروف الحالي?، ويعتبران أن حكمة جلالة الملك وقدرته ومكانته ستؤهل الأردن للعب ذلك الدور وهو ما ستكشفه الأيام القادمة».
بالفعل فتوازنات الظل كشفتها الأيام، وان خطوط التقاطع الدبلوماسي ومحورية دور الأردن جعلت كثيرا من المواقف أن «تنزل عن الشجرة» أي التفكير ضمن إطار ثوابت التحولات والتغيرات التي أفزتها المستجدات السياسية وبحكم التحالفات الاستراتيجية بعيدة المدى، وذات الطابع الايدلوجي والسياسي بين قطر وانقرة جعل استكمال الانفتاح السوري التركي يضع بظلال واضحة على انفتاح قطري سوري يمهد له ويقوده باقتدار وسياسة توازن الظل، وهذا ما جعل التصريح القطري بهذا الاتجاه والذي انبثق بشكل مفاجئ ليس لدينا كأردن انما لكل المراقبين الدوليين و?لذي تمحور بما يلي:
* «أعلنت قطر أمس عن دعمها للمبادرة الأردنية المزمع اطلاقها في سوريا والتي تقوم على دور عربي مباشر ينخرط مع الحكومة السورية في حوار سياسي يستهدف حل الازمة ومعالجة تداعيتها الإنسانية والأمنية والسياسية».
إذن وبغض النظر عن الغطاء الإعلامي بأن المبادرات الأردنية انطلقت أو ستنطلق أو مزمع اطلاقها فهي تشير إلى أن هناك دورا محوريا للأردن في إعادة اللحمة العربية بحلحلة تفصيلية ترتكز على قاعدة التقاطعات التوافقية بين الدول العربية بإطار بيني، والجوار في الاطار الإقليمي، وأنه لا يمكن أن يكون لهذا الدور فعالية قصوى إلا اذا ارتكزت على حكيم الدبلوماسية العربية المتمثلة في ثقل ووزن جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المفدى.
لهذا كله كنت قد استشرفت وجود مبادرة بهذا الاتجاه رغم النقد من قبل كثير من المحللين والمراقبين السياسيين واللذين كانوا يعتبرون ان الأردن وظف الدبلوماسية الإنسانية لإعادة نسيج العلاقات مع الشقيقة سوريا وهي قراءة اثبتت عدم دقتها فالأردن ومن خلال دبلوماسيته العروبية أصلا قد التقط ثقل جلالة الملك وحكمته واحترامه الاستثنائي ليكون كما كان دائما بوابة الوفاق والاتفاق العربي والذي يحمل في طيات دبلوماسيته ثوابت قومية تنتهز كل الفرص من اجل وحدة الصف العربي لقناعته المطلقة بان التوافق البيني والإقليمي سيكون عاملا حاسم? في مواجهة الغطرسة الصهيونية وامتداداتها وتداعياتها الكارثية على المنطقة فعلى كل من رأى أن الأردن غير قادر على صناعة المعجزات الدبلوماسية علية إعادة قراءة التاريخ.