يواجه العالم بأسره التغيرات المناخية، والتي أصبحت تؤثر على الدول شمالا وجنوبا دون اعتراف بالحدود، إلا أن اجراءات التكيف مع هذه التغيرات هي التي تحدد كيفية التعامل مع عناصر التغير وتجاوز آثارها المدمرة.
لم تكن ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بعيدة عن اثار التغيرات المناخية، فبالرغم من امتلاك الولاية للموارد المالية الكافية والقدرات التكنولوجية والمراكز البحثية والعلمية، إلا أن اثار التغيرات المناخية أصبحت واضحة من خلال الجفاف وارتفاع منسوب البحر وشح المياه والتأثيرات على الموائل الطبيعية بالإضافة لحرائق الغابات.
وعلى رغم اختلاف التفاصيل، يشارك الأردن أيضا هذه التحديات بدرجة مختلفة، وبخوف أكبر، ولعل القاسم المشترك الأبرز هو تراجع معدلات الهطول المطري وارتفاع درجات الحرارة وجفاف التربة، وهو الأمر الذي يؤثر على إمدادات المياه والزراعة والأمن الغذائي في الأردن، الذي يعد أحد افقر الدول في العالم في حصة الفرد المائية.
وتعمل ولاية كاليفورنيا على تنفيذ مجموعة من اجراءات التكيف مع التغيرات المناخية، خاصة وانها تملك الموارد المالية لذلك، في حين ينتظر الأردن الدول المانحة والممولة للوفاء بالتزاماتها لتنفيذ خططه، التي من شأنها تعزيز صمود الاردن المنهك بفعل التغيرات المناخية وموجات اللجوء التي تجبره على تغيير خططه بشكل دوري.
في مدينة سان فرانسيسكو الفارهة، الواقعة على شواطئ المحيط الهادي في ولاية كاليفورنيا، تضرب موجة جفاف الولاية، وبرغم الموسم المطري الوفير للعام الحالي، إلا أن اثار التغيرات المناخية تستمر لسنوات طويلة، كما أن الولاية أصبحت على موعد تقليدي مع حرائق الغابات التي تبتلع غطاءها الأخضر عاماً بعد عام، وهو الأمر الذي يحتم مواجهة التغيرات المناخية.
يقول الدكتور وارنر شابوت، المدير التنفيذي لمعهد سان فرانسيسكو إستواري: «إن تغير المناخ يضع قرارات تخطيط صعبة على الجهات المختصة لأن كل شيء يتحرك بشكل أسرع»، ويدرك قادة المجتمع أننا جميعًا في هذا معًا وأن التعاون والتنسيق ليسا اختيارً، إنه مطلب لبعض البقاء على قيد الحياة البيئية ».
قال شابوت: «نعمل في المعهد من فريق من الخبراء والعلماء لتزويد المخططين المحليين وصناع القرار ببيانات إقليمية قوية وأساس علمي ثري للتكيف مع المناخ وتزويدهم بأفضل الخيارات التي قد تكون أكثر ملاءمة للظروف الفريدة التي تعيشها الولاية بفعل التغيرات المناخية».
وأضاف» تركز معظم الخطط الدفاعية في مواجهة التغيرات المناخية على الأساليب القائمة على الطبيعة، مثل استعادة موائل الأراضي الرطبة المفقودة في الخليج وإنشاء الشواطئ التي يمكن أن تحمي المجتمعات الساحلية، وقال شابوت إن هذه تستخدم جنبًا إلى جنب مع الدفاعات الهيكلية مثل الجدران البحرية، والتي ستمنحها طول العمر وستظل توفر موطنًا للحياة البحرية، بالاضافة لتأمين موارد مائية مستدامة.
وكانت مياه خليج سان فرانسيسكو ارتفعت بالفعل 8 بوصات منذ منتصف القرن التاسع عشر، بحسب سجل مقياس المد والجزر في فورت بوينت، بجوار جسر البوابة الذهبية، التي بدأت قياساته منذ عام 1850.
محلياً في الأردن جرى إعداد خريطة الطريق للسياسات طويلة الأجل للأعوام 2022-2050 بشأن العمل المناخي، التي يندرج ضمنها عدد من المشاريع القطاعية، ذات الأولوية، والتي يجب تنفيذها بشكل عاجل للتكيف مع التغيرات المناخية.
ومؤخرا أجرى الأردن تحديثا على خطته للمساهمات المحددة وطنياً، ورفع فيها الطموح المناخي إلى 31 % في مجال التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، بعد أن تمكن من الوفاء بالنسبة التي وضعها في المرة الأولى والمقدرة بـ14 %».
وما تزال التحديات المالية عائقا كبيرا حيث يحتاج الأردن لتنفيذ المشاريع المدرجة في وثيقة المساهمات، نحو 7.5 مليار حتى العام 2030، وهذا الأمر يتطلب التزام الدول التي يجب عليها تأمين التمويل المناخي، وضمن حصص واضحة لكل منها لصالح الدول النامية.
ورسمت الخطة الوطنية للتكيف وآثار التغير المناخي في الأردن 2021 صورة «قاتمة»، لتأثيرات هذه الظاهرة، إذ توقعت بأن «يكون مناخ الأردن مستقبلاً أكثر دفئاً في فصل الصيف، وجفافاً في فصلي الخريف والشتاء، لتنخفض معها نسبة متوسط هطول الأمطار إلى 35 % بين أعوام 2070 و2100».
وبحسب الخطة، فإن برامج وتدابير التكيف القطاعية، تضم: إدارة موارد المياه، الزراعة والأمن الغذائي، التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، قطاع الصحة، قدرة القطاع الحضري على تحمل تغير المناخ والحد من خطر الكوارث فيه، إدارة المناطق الساحلية، قدرة القطاع الاجتماعي الاقتصادي على تحمل تغير المناخ، بالإضافة إلى تدابير التكيف مع تغير المناخ المرافقة لمنافع إجراءات التخفيف المرتبطة به.
ويبقى تحدي المياه والزراعة محليا من التحديات الأبرز مناخيا والتي يعمل الأردن لتجاوزها، لكن التمويل المعلق من الجهات الممولة يبقى العقبة الأكبر في وجه تحقيق هذه المشاريع وتطبيقها على ارض الواقع.