كتاب

حرب أوكرانيا.. ماذا بعد؟

مرت قبل أيام الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وأنا أتفهم نظرة بعض اليساريين العرب، الذين يدافعون عن قرار الرئيس بوتين بشن ما تسميه موسكو «العملية العسكرية الخاصة»، في مواجهة الاستفزازات الاوكرانية ومن خلفها دول الغرب، لكن الحوار في هذه المسألة يبدو صعبا وسط تضارب المصالح الدولية. فالعلاقات بين الدول رغم ما يطفو على السطح من كلام معسول حول التعاون والتنسيق، فهي في الواقع مزروعة بالألغام والمؤامرات والصراع، الذي يتخذ أشكالا متعددة «سياسية واقتصادية واستخبارية وعسكرية'!.

كان من بين أبرز تداعيات تلك الحرب أزمة غذاء عالمية، وخطف الأضواء عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حملات قمع وتنكيل كان أحدثها مجزرة مدينة نابلس، فضلا عن مواصلة عمليات الاستيطان. ودائما كانت القضية الفلسطينية ضحية للعبة الأمم ودهاليز العلاقات الدولية!.

لم يعد سرا أن الحرب الروسية الاوكرانية، تحولت إلى صراع غير مباشر بين دول الغرب وروسيا، فقد وفرت للولايات المتحدة والدول الأوروبية فرصة لاستنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا، حيث فرضت عليها عقوبات اقتصادية منذ البداية، ولم يكن الرئيس بوتين يعتقد أن الحرب ستطول الى هذا الحد، ربما كان يظن أن أوكرانيا ستستسلم خلال عدة أيام أو أسابيع على الأكثر، فكانت المفاجأة قدرة جيش أوكرانيا وشعبها على المقاومة ومواجهة ثاني أقوى جيش في العالم، رغم ما لحق بالجيش والمدن والمنشآت الأوكرانية، من دمار وخسائر مادية وبشرية واحتلال بعض ال?راضي وتشريد ملايين اللاجئين، لكن الجيش الروسي تكبد أيضا خسائر كبيرة لم تكن في حسابات موسكو، وتراجعت هيبته في حرب مع دولة صغيرة!.

بظني أن الرئيس بوتين وقع في الفخ، وربما قاده غروره وتفرده باتخاذ القرار إلى الدخول في هذه «المغامرة»، التي ثبت أنها تستنزف جيش روسيا واقتصادها، فحتى لو كانت الصين تميل الى جانب كفة موسكو سياسيا، فهي تربح اقتصاديا، والسؤال الجوهري ألم يكن أمام بوتين اللجوء الى وسيلة أخرى لتجنب الحرب؟ أم أنه ركب رأسه بعد أن لاحظ برود ردود الفعل الغربية، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عملية خاطفة عام 2014؟.

الواضح أن دول الغرب لن تتخلى عن أوكرانيا، فأميركا وحدها قدمت لها مساعدات عسكرية منذ بدء الحرب بقيمة 18.2 مليار دولار، ولن تتوقف عن تقديم المساعدات، كما أن دول الاتحاد الاوروبي قدمت أيضا مساعدات ضخمة، وهي تخطط لتقديم 18 مليار يورو العاام الحالي 2023، بمعدل 1.5 مليار يورو شهريا.

وبمقارنة الإمكانيات الاقتصادية والمالية لدول الغرب مع قدرات روسيا، فإن الفرق هائل لصالح واشنطن وحلفائها، وقرار إنهاء الحرب أو استمرارها أصبح بيد أميركا وروسيا، وخلال العام المقبل 2024 هناك انتخابات رئاسية في البلدين، وعلى الارجح أن الحرب ستكون مادة انتخابية ذات قيمة كبيرة.. يبقى فرضية «الخيار النووي» في حالة جنون بوتين، ولا أظن أن ذلك مطروح إلا إذا هزمت روسيا في الحرب التقليدية!.

theban100@gmail.com