وعندما أعلنت عريفة الحفل اسم ابني موسى من المدرسة المعمدانية بتكريمه بجائزة جلالة الملكة رانيا العبدالله السنوية للعام الدراسي 2022/2023 والتي تمنح سنوياً للطلبة المتميزين بامتحانات شهادة الدراسة البريطانية بإشراف وزارة التربية والتعليم الأردنية مع السفارة الربيطانية والمركز الثقافي البريطاني وجامعة أوكسفورد، بقولها: «الأول على مستوى العالم»، بمادة الرياضيات، كان لهذه العبارة معنى أبويا وشخصيا مختلفا، استحق الدمعة التي نزلت بعفوية لتجسد الفرح على المستوى الشخصي، بالرغم من حصوله على العلامة الكاملة بجميع المواد التي تقدم فيها، لكن عبارة التفوق زلزت قاعة الإحتفال الذي ترعاه معالي السيدة هيفاء النجار، التربوية بمسيرتها الممتدة وراعية الثقافة الأردنية بحاضرها، بحضور ولا أبهى وبصورة سيمفونية رهيبة أضفت للمناسبة معنى مختلف؛ تصفيقا وفخرا لإنجاز وطني مستحق، ثمرة جهود وتضحيات شخصية بهدف ترجمة القدرات والوعد لهذا اليوم التاريخي، بمسيرة ممتدة بدأت بهذه القاعة للابنة الكبرى فرح وبنفس سيناريو التفوق وقبل اثنتي عشرة سنة كاملة، مرورا بالابنة الوسطى رند، لتستمر المسيرة على نفس الدرب والطريق بمثلث عناصرها وتفاعلهم؛ الأبناء باجتهادهم، المنزل بمتابعتهم وتوفير الظروف لتفوقهم، والمدرسة المعمدانية (وأقرانها) بكادرها التعليمي والإداري وسياستها بمتابعة طلبتها وأبنائها وتشجيعهم.
الانتقال من مرحلة التلقين والتغذية المساعدة للحشو المعرفي بشكلها الروتيني، إلى مرحلة الابتكار والتجديد والتحديث، هو شعار منسق بكلمات لتبسيطه، ويمثل مرحلة التحدي الكبرى، وتطبيقه يحتاج لجهود تبذل لصقل هذه الخامات الوطنية وتحفيز الخلايا الدماغية على صنع الفرق في عصر تتوفر فيه كل المتطلبات الحياتية الأساسية والرفاهية، ومتابعة الإبن منذ بداياته التربوية في المنزل، تمثل الركن الأساسي ببناء قاعدة الهرم الإنتاجي للمستقبل، فلا أعذار لظروف الحياة بالابتعاد عن متابعة الأبناء لأنهم الهدف والأمنية وهم أمانة ربانية أُوكلت الينا لرعايتها، نعيش ونتعب لأجلهم وتسليمهم راية الاستمرارية في الحياة بأحسن الظروف التي نستطيع توفيرها بجهدنا وبعيدا عن مبررات القفز أو التقصير، فطلبة اليوم هم ضحية لتواضع وتراجع مستوى التعليم والذي ينزف حتى الساعة دون جهود حقيقة لإنعاشه، الأمر الذي يجعل من أركان المعادلة السابقة ببذل جهود مضاعفة للمحافظة على مستوى الطالب المتميز حتى لا يندثر بين مبررات انتهت صلاحيتها، ومؤتمرات تعقد بشعارات لتجويد التعليم بنفس الأجندة والأشخاص،توصيات مكررة لا ترقى لمستوى البحث والمناقشة.
الذكاء مصطلح يشمل القدرات العقلية المتعلقة بالقدرة على التحليل والتخطيط، وحل المشاكل، وبناء الاستنتاجات، وسرعة التصرف، كما يشمل القدرة على التفكير المجرد الذي يعتمد على الذات والمتوفر من أدوات المساعدة وتوظيفها وجمع وتنسيق الأفكار، والتقاط لغات العلم وتطبيقاتها وسرعة التعلم، كما يتضمن أيضا حسب بعض العلماء القدرة على الإحساس وإبداء المشاعر وفهم مشاعر الآخرين، بالرغم من أن المفهوم العام السائد عند الناس للذكاء يشمل جميع هذه الأمور وربما جعلوها مرتبطة بقوة الذاكرة، لكن الواقع ينقش الذكاء على بُردى الشخصية كميزة سلوكية مستقلة على أن تترجم وتربط بتداخل منسق الإبداع والشخصية والحكمة وحتى قوة الحافظة المتعلقة بالذاكرة. الذكاء الممزوج بعناصر الأفكار والابتكار يختلف بنكهته وحضورة بدوره في صنع شخصية الفرد، فتوظيف عناصر كل منها يحتاج لأسلوب وتوقيت، حيث يفرض الابتكار حضورا بمسيرة الطالب تجعله يتربع على عرش القلوب والموهوبين بسبب قدرته على استخدام فكرة أو أسلوب متداولين بطريقة أفضل مما هو معتاد، لينتقل بعدها على نفس السلم للخطوة القرينة بالاختراع ويعني خلق فكرة أو أسلوب جديدين لم يكونا معروفين من قبل، وربما أنني قد فكرت بهذه الخاطرة بالأمس وكتبت خظوطها العريضة داخل القاعة من وحي استعراض تاريخي لمسيرة الإبن الذي وعد بالتفوق وأوفى بوعده بالتاريخ المستحق، حيث منحنا دفء الإبتسامة والسعادة القلبية ونحن بظروف وبأمس الحاجة اليها بعد تخطي سلسلة من الحواجز لتعيق المسيرة.
النجاح بتفوق وتميز لم يكن وليد صدفة، أو اجتهاد مرحلي لفصل أو عام؛ بل نتيجة تراكمية لسنوات المدرسة الممتدة، بتعاون مثمر بين المدرسة والأهل والطالب، الذي شكل محور هذا التعاون لإبني موسى بالتحديد، فكان على قدر التحدي؛ منظم في أوقاته حسب جدول دراسي يأخذ في الحسبان جميع الاحتمالات المتوقعة من الزمن والحدث، لا يخضع لابتزاز المفاجآت، خصوصا أن القَدَرْ لطلبة هذا العام بتعرضهم لظروف سنوات الجائحة الوبائية التي غيرت مسار التاريخ، وجعلتهم ضحايا التعلم عن بعد الذي لا يناسب ظروفنا وأحوالنا، لكن الطالب المجتهد، يعقد العزم ولا يقف على حدود الصعب أو يجعله مبررا للتقصير، بل لديه من البدائل التي ترصف طريق المجد، تمهيدا للوصول للغاية بترجمة درجة الذكاء الربانية التي يتمتع بها، فكنا كعائلة نقدم التسهيلات التي توفر الأجواء الدراسية، بعيدا عن اسوار اليأس والمستحيل الذي انتفى من قاموسنا. التفوق كان العلاج الشافي لكل الصعاب، رسم البسمة على القلوب، وجعل للتضحيات التي تقدم للأبناء معنى مستحقا، فهنيئا لكل طالب مجتهد وللحديث بقية..