سُعَدْتُ بمشاركة ابني موسى من الصف الحادي عشر في عدة مؤتمرات ونشاطات مدرسية تحت شعار «مجتمع حقوق الانسان» والتي تتبنى تنظيمها والتخطيط لها لجنة متخصصة في المدارس ذات الاهتمام ويناقش فيها الطلبة على مدار ثلاثة أيام متتالية في أحد الفنادق الموقرة مشاكل وصعوبات عالمية تعتمد على البحث والحقيقة، لطرح حلول للمشاكل الحالية والمستقبلية والتي تهدد حياة البشرية والوجود الانساني، ويقيني أن هذا الأمر سيخلق جيلاً مفكراً، يصعب تحييده أو تجاوزه، حيث وقفت متأملا عن قدرات هذا الجيل لصنع الفرق الذي يرتوي بالجرأة والقول، فهن?ك العديد من المتطلبات لموافقة المدرسة المنظمة لمشاركة الطالب وكل منها نقطة نظام وعبرة؛ التزام بالتوقيت، محتوى الموضوع، الهندام الرسمي، أدبيات الحوار، طرح الرأي وقبول الرأي الآخر بديمقراطية تغذي شخصية المشارك، ترك أمر الحكم والمناقشة للطلبة حتى ولو تسربت لتصرفات البعض مرتكزات شخصية لا يمكن تعميمها لأنها قد تكون انعكاس بيئي على ثقافات متوارثة نحارب من أجل تحجيمها، فمثل هذه المشاركات للطالب تفتح آفاقا مستقبلية لممارسة القيادة التي تعتمد على حقائق الواقع والتحليل ضمن المعطيات التي يستطيع الحصول اليها عبر المرا?ع المتوفرة وخصوصا الشبكة العنكبوتية الزاهرة بثروة معلوماتية، تمكن هذا الجيل من المناقشة وصقل الشخصية؛ مثل هذه المؤتمرات قادرة على صنع جيل قيادي مفكر، يمكننا أن نحمله مسؤولية المستقبل مطمئنين لامتلاكه الحكمة والقدرة.
في مشاركته الأولى، التي نظمتها مدرسته، كان هناك حوار مستفيض عن الاتحاد الأوروبي؛ التكوين والجغرافيا، أسس الوحدة وقبول العضوية، التسهيلات المقدمة، حيث مثل كل طالب في مجموعته إحدى الدول الأوروبية ضمن وحدة التاريخ والتضاريس والظروف، وكان على ابني التحدث عن مبررات دخول تركيا لهذا الاتحاد؛ موضوع قديم متجدد على أرض الواقع، متشابك ومعقد بأبعاد ليست كلها بمعناها الظاهر بل ربما أحجية بشكل استعماري مختلف، لأننا نعلم جميعا بالمحاولات التركية المتكررة لدخول هذا الاتحاد، يقابلها معارضة شديدة من قبل بعض الدول بأبعاد قد ?كون سياسية أو تاريخية، جعلت محادثات المد والجزر تراوح مكانها بين متطلبات لإتمام شروط الانضمام، وبين متطلبات توضيحية لقوالب جديدة كشكل من أشكال الإعاقات، ولأنه كان محاضرا ومناقشا قادرا على إدارة الحوار وجاهزا للتفسير، فقد نال وأمثاله التصفيق على جرأة الطرح والقدرة على فهم المعلومة وهضمها قبل مناقشها كبوابة لدخول هذا الاتحاد.
المؤتمر الثاني من سلسلة هذه المؤتمرات ولأيام ثلاثة أخرى بتنظيم وإشراف لمدرسة موقرة منافسة، كان موضوع المناقشة عن تهريب الأسلحة بالقارة الأفريقية كسبب للفقر والقتل والصراعات داخل الدول ذاتها أو عبر حدودها، حيث توصل الطلبة المناقشون للأسباب التي جعلت من القرن الأفريقي مسرحا للصراعات، فكان طبيعيا أن تتحول إلى سوق لبيع الأسلحة بشتى أنواعها، الأمر الذي سمح بولادة الجماعات المسلحة من رحم الأحداث، عصابات تتاجر بالسلاح تصنيعا وتسويقا، تجند الأطفال فتحرمهم من التعليم والصحة والعمل والحياة الكريمة، التي هي صميم حقوق?الطفولة، لنشاهد صور الفقر والمجاعة وسوء التغذية، إضافة لبند آخر وتمثل بمشكلة انتشار المخدرات وخصوصا في الفلبين؛ باعتبار المخدرات هي العدو الأول لمعظم شعوب العالم، واقتراح الدور الذي يجب على الأمم المتحدة تبنيه للمساعدة بتحجيم هذه الآفة شريطة التعاون لدفع أقل الخسائر بشتى أشكالها، بعد ملاحظة زيادة المدمنين ليصبح ضبط الحدود مهمة صعبة للدول بدون استثناء، فالدول التي ليست مسرحا للترويج، هي عابرة للحدود للتسويق، واقع يلزم التعاون المطلق، تصرف لأجلها ميزانية موقرة من المال والجهد بهدف محاصرة هذه الآفة الاجتماعية?التي تدمر العقول لمروجيها ومستخدميها.
المشاركة الثالثة لمدرسة أخرى ومنافسة أيضاً اشتملت على المخاوف والهواجس التي تعتري مستقبل هذا العالم نتيجة مشكلة الغاز والطاقة خصوصا بعد إندلاع الحرب الروسية-الأوكراينة، لأنهما من أكبر المنتجين والمصدرين، وتأثير ذلك على سلاسل التزويد الغذائي العالمية، إضافة لكونهما من الدول المنتجة للأسمدة، وكلنا يعلم ويدرك حجم الآثار المدمرة لهذه الحرب التي قاربت على انهاء عامها الأول بدون بوادر أمل لنهاية هذا الصراع، حيث شمل المؤتمر بمجمله على نقاشات وأوراق عمل وطروحات، قد يكون الأخذ بها حكمة تنطلق من العمر الشبابي الذي س?قود مركب المسيرة بالوطن في المستقبل.
هناك مشاركة رابعة تتعلق بالعديد من المحاور الأساسية للشعوب، سوف تناقش في المؤتمر القادم وتبدأ بالدور الذي تمارسه جامعة الدول العربية في فض النزاعات، ليمثل كل طالب دولة عربية ضمن مجموعة متناسقة، على أن يشتمل الأمر على التركيز بقضية العرب الأولى؛ القضية الفلسطينية وحركات المقاومة في فلسطين وعلاقتها في الدول العربية، إضافة للتدخل الإيراني في الشؤون العربية والغزو التركي للشمال السوري استغلالا لظروف ثورات الربيع العربي التي عصفت بالاستقرار والبنية، وسيكون هناك إضاءة على قوة الفيتو في مجلس الأمن الدولي بتوفير ف?ص السلام بعدالة تبدو شكلية وورقية المحاضر بالتطبيق لأنها النموذج الأسواء بالإنحياز وفقا للمصالح بسيف القوة.
أرى حماس البحث والتحدي حاضرا، وأحسن ما فيه بحكمة الاستفادة من المؤتمرات السابقة ليزيد رصيد العطاء بجودة سيكون لها كلمة على مستوى الوطن في يوم ما من حياة هذا الجيل المتحمس، فثقافة حقوق الإنسان ليست مجرد ثقافة يعرف الجميع فيها حقوقهم، لأن المعرفة لا تعني بالضرورة الاحترام، وبدون الاحترام سيكون هناك انتهاكات حتماً، مؤتمرات تعطي الفرصة للمشاركين بتعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوئام المجتمعي والتضامن والصداقة بين الشعوب والدول ويسعون في تعزيز أنشطة المؤسسات الدولية الرامية إلى خلق ثقافة السلام على أسا? القيم العالمية لحقوق الإنسان والتفاهم الدولي والتسامح واللاعنف. أبنائنا قادرون على صنع الفرق، وعلينا تسهيل مهمتهم، فمثل هذه المؤتمرات تبشر بصناعة قيادات وطنية مفكرة، أتمنى أن نتركها بدون تلقينها لمفاهيم الديمقراطية والعدالة التي تُمارس محاصرة بالمصالح وترتوي بالأنانية، وربما هناك أمنية برسم التحقيق المستقبلي بان يستفيد القادة السياسون الحاضرون من أفكار هذه الفئة من الطلبة المفكرين الآن والأخذ بها لعلها تسهل مهمة الجرأة والعدالة وتنثر السعادة وللحديث بقية.