عمان - إبراهيم السواعير
الحديث مع الفنان التشكيلي سعيد حدادين لا بدّ يأخذ الصحفي إلى عوالم من الثقافة التي يختبرها الفنان فيه، وفق اشتراطات الجمال الذي هو غاية حدادين في أول الحوار ووسطه وآخره، وهو يعود بنا إلى فترة يريد الحفاظ عليها، ولذلك فهو يتحدث بسجيّة فنيّة لا تعتمد الإجابات المنمّقة؛ بل ربما تحمل جملة ساخرة منه فكرةً أو موقفًا لفنان حقيقي يقول إنّه ليس مهتمًا ببيع اللوحة بقدر تأثيرها في الناس، وهو إلى ذلك يحشد في حديثه الشعر بالرواية بالمسرح بالموسيقى للوصول إلى التناغم الجمالي الذي يرجوه في اللوحة، منتقدًا المناخ «الثقافي» السائد بأنّه «استهلاكي» وتجاري، ولا يستطيع أن يجاريه.
الرأي، وكجزء من وفائها للفنانين والأسماء الرائدة في الفن والأدب والإبداع، تستعيد في هذه الفقرات من دون أسئلة مسبقة رؤية الفنان حدادين ليس لترويج اسمه أو لوحاته، فهو فنان كما يقول متصالح مع نفسه، وليس شرطًا أن يبيع لوحته، أو يكتب عنها، إذ يكفي أنّ أعماله غالية عليه، ذاكرًا أنّه في إحدى معارضه أقام معرضًا بلوحة واحدة ليست للبيع، عاد بها إلى البيت!
اشتهر حدادين بوجوهه التي يرسمها وتعكس العنفوان والتمرّد أو الأحزان الصامتة، مؤكّدًا أهميّة النضج اللوني للتعبير عن الحالة، وأن يساعده الجوّ الثقافي العام في ذلك، لكنّه ليس حنبليًّا تمامًا في رؤيته لنماذج في الساحة الفنية، إذ يشيد بأعمال قليلة، في حين يرى أن كثيرين إنّما يقدّمون «خربشات» ليس إلا، حينما يذهبون إلى التجريد، منتقدًا بأنّ «التجريد ليس طراشة ألوان»!
ويعتبر حدادين التجريد فهمًا لـ«الهارموني» في الأبعاد الفلسفية والفكرية، فما نزال في طور تقليد الغرب، مع أنّ تاريخ اللوحة خرج من الشرق. كما أنّ التجريد ليس غير محاولة عند كثيرين لهروب الفنان مما لا يعرف متذرعًا بالحداثة، في حين يجب عليه أن يتقن المضمون ويهتم بأنّ اللوحة هي خطاب جمالي وليست خطابًا سياسيًّا، على اعتبار أنّ تسييس اللوحة يؤذي الفن، في وقت كان عليك أن تبحث فيه عن الجماليات، فهي ليست خطاب «كاريكاتير» أو «بوستر»، كما أنّ اللون صعب والفنان لا بدّ أن يبحث عن الشكل ليضع عليه اللون.
يربط حدادين بين الفن والموسيقى، في ما هو أقرب إلى تراسل الحواس، في سماع الموسيقى بالعين، وسماع اللون بالإذن. ويؤكّد أيضًا أنّ القضايا الإنسانيّة هي قضايا جمالية في المقام الأول.
ويدعو حدادين كليات الفنون إلى التشريح والانسجام أكثر مع الفنّ، والاهتمام بمكوّنات اللوحة، منتقدّا أن يخرج هواة الفن من دورة في معهد للفنون باعتبارهم فنانين تشكيليين.
ويهتم بشموليّة الفنان التشكيلي الذي يفهم الرواية والشعر والمسرح والسينما ويقرأ ويطالع ويواكب كمثقف من الطراز الرفيع، ويضرب حدادين أمثلةً على اختلاف الثقافات في أوروبا وآسيا وإفريقيا، فاللوحة أشبه بمسرحيّة تعيد ترتيبك من جديد، فتستفزّك، ومن أصعب الأشياء أن تكون اللوحة «مهدومة» كما يقول.
يدعو حدادين إلى أن تمرّ كلّ لوحات المعارض قبل عرضها، على لجان فنية متخصصة وأكاديمية متقنة لعملها، في وزارة الثقافة، وهو طموح ربما لا يحصل كما يقول، مع أنّ العمل الفني يجب أن يقدّم لك الجميل.
يؤكّد حدادين بعد 78 عامًا أنّ وجوهه التي يرسمها تنضج باللون، مثل سيمفونيّة، ولهذا فهو ربما يرسم لوحةً عند عائلة من أصدقائه فيتركها لهم غير مهتم بالتجارة، دون أن يعني ذلك أنه يفرّط بأعماله، كما يهتمّ بفنانين لهم سيرة فنية طيبة مثل الفنان الراحل مهنا الدرة، والفنان د.محمد قيتوقة.
لا يريد حدادين تكريمًا، فهو كما يقول «شبعان» من الفنّ، وهو يقرأ روايات تصبّ في أعماله الفنية، مستعيدًا فترة دراسته في الاتحاد السوفييتي اواسط السبعينيات للفنون الجميلة، كأول خريج أردني فيها، وهو أيضًا رسّام كاريكاتير محترف، لكنّه مع كلّ ذلك ينهي حوارنا معه بقوله «تعوّدت أن أكون في البيت».