أعلنَ الرئيس الأمريكي جو بايدن أنَّ التحقيقات الجنائية الجارية بشأن حيازته لموادٍ سريَّة لن تخلص إلى شيء في نهاية المطاف لأنه "لا وجود لتلك المواد بحوزته". ومع ذلك، هناك الكثير من المواد السريَّة التي تكفي للاستعانة بمُستشارٍ خاص للتحقيق في أثر مستندات سريَّة من خزانة مكتب واشنطن العاصمة وصولاً إلى مرآب بايدن في ديلاوير.
وقد تكون هناك مفاجأة عفو بانتظار بايدن. فإذا أُدين ابنه هانتر في نهاية المطاف، فيمكن أن يقتدي بايدن بالرئيس كلينتون الذي عفا عن أخيه غير الشقيقوفي هذا الإطار، قال جوناثان تيرلي، أستاذ قانون المصلحة العامة في جامعة جورج واشنطن، في مقال بموقع "ذا هيل" الأمريكي،: رغم أنّ الرئيس الأمريكي يود أن يصرف انتباه الشعب الأمريكي عن صور المستندات السريَّة، "ربما فوجئنا بأننا نتجه نحو واحدةٍ من أكثر اللحظات اضطراباً وغرابةً في تاريخنا الدستوري بأكمله".
وأضاف: "ثمة احتمال واضح أنه لن يكون لدينا مرشحان أساسيان يُطلقان حملات رئاسية كلٍ إلى جوار مُستشاره، وإنما سنجد مرشحين يمكن إدانتهما جنائيّاً أو توجيه اتهامات إليهما بحلول الانتخابات المُقبلة".
بين قضيتي بايدن وترامب
تناولَ كثير من الكُتّاب أوجه الشبه بين قضيتي بايدن وترامب. فالتحقيق في شأن ترامب الذي تجريه وزارة العدل لا يشمل وحسب اتهامات بسوء استخدام مواد سريَّة، وإنما تصريحاته الكاذبة وعرقلته للعدالة. وقائمة الاتهامات الموجهة إليه تنطوي أيضاً على عددٍ أكبر بكثير من المستندات. ولكن، هناك أوجه شبه كافية لدرجة أن وزارة العدل يمكن أن تَزِن بين التهم الموجَّهَة في القضتين، حتى ولو كانت محض جُنَح.
والاتهامات الموجَّهَّة لبايدن خطيرة بحدٍ ذاتها. فالمستندات التي بحوزة ترامب في مارالاغو كانت محفوظة داخل غرفة تخزين مُغلقة، وأُضيفت لها إجراءات أمنية بإيعاز من مكتب التحقيقات الفدرالي، إذ وُضِعت كاميرات للمراقبة. وهذا ليس بالموقف المثالي، لكنه أفضل من عشرات المستندات المُبعثرة في خزانة ومرآب ومكتبة في ولاياتٍ مُختلفة.
ولا شك في سوء الاستخدام الجسيم في قضية بايدن. والسؤال يتعلق وحسب بالشخص المسؤول. فإذا أظهرت الأدلة أنّ بايدن استخدم أيّاً من هذه المستندات المميزة بوضوحٍ لصياغة كِتَابَه أو أي مشروعات أخرى، فسيكتسب إصراره على فكرة "الحيازة العارِضَة" معنى أسوأ باعتبارها جهوداً الغرض منها خداع الشعب ومكتب التحقيقات الفيدراليّ.
من الممكن أن تستغرق التحقيقات في القضيتين عاماً أو أكثر. ويتجاوز متوسط زمن تحقيق المُستشار الخاص مع الرئيس 900 يوم. وينبغي أن يستغرق التحقيقان أقل من المتوسط، لكنهما سيبدآن في عام 2023، وفي الأفق تلوح انتخابات عام 2024 الرئاسية. وقد أعلنَ ترامب بالفعل نية ترشحه، ومن المتوقع أن يُعلن بايدن نيته قريباً أيضاً.
سيناريو الإدانة الواحدة — وهو السيناريو المحتمل الذي يَعْقِد الديموقراطيون عليه الآمال، وفيه تُبرَّأ ساحة بايدن ويُدان ترامب. وقد يكون هذا الخيار الأكثر إثارةً للقلاقل، إذ سيلمس كثيرون المعايير المزدوجة في التعامل مع القضيتين.
سيناريو عدم الإدانة — إذا امتدت التحقيقات بشأن ترامب وبادين حتى أغسطس (آب) 2024، فيمكن أن تتبع وزارة العدل سياسة الإحجام عن أي إجراءات يمكن أن تؤثِّر على الانتخابات. وإدانة مُرشح رئاسي تدخل تحت مظلة هذا الإجراء.
سيناريو الإدانة المزدوجة — من الممكن أن تتعجل وزارة العدل أيضاً في تداول القضيتين وتدين الرجلين. لكنّ هذا الخيار قد يقتضي تغييراً في سياسة الوزارة.
وتابع الكاتب: "كان هناك نقاش مديد بشأن ما إذا كان يمكن إدانة رئيس في منصبه. ورغم أن بعضنا يعتقد أنه لا عائق دستوريّاً لإدانة رئيس، صرَّحَـت وزارة العدل بأن هذه الإدانة غير لائقة. وما لم تُغيِّر وزراة العدل رؤيتها، من الممكن أن تدين ترامب، وترفض أو تؤجِّل إدانة بايدن". علاوةً على ذلك، نظراً لسياسة الوزارة، فقد تشير إلى أنها أجّلَت القرار النهائي بخصوص إدانة بايدن حتى بعد الانتخابات. والتصويت لصالح بايدن حينئذ يمكن أن يُعدُّ بمنزلة وسيلة للحيلولة دون أي إدانة.
وبموجب أي سيناريو، من الممكن أن يواجه المرشحان إدانات أو احتمال الإدانة بُعَيد الانتخابات. ويمكن أن يُختصر التصويت بين المُرشَّح الذي تَوَدُّ أن يُعفى عنه والمرشح الذي تَوَدُّ الزج به في السجن.
وحتى لو قررت وزارة العدل ألّا تدين بايدن لنقص الأدلة، فسيعني ذلك أنّ انتخاب ترامب يمكن استغلاله لإبطال أي إدانة له بسبب واقعة مارالاغو. وكثير من المصوتين سيرون ذلك معاملةً غير مُنصفة.
إن حق الرئيس في العفو عن نفسه أيضاً موضوع قابل للنقاش، يقول الكاتب، "فكما أؤمن بأن الرئيس الحالي يمكن إدانته، أعتقد أيضاً أن الرئيس يمكن أن يعفو عن نفسه". فالمادة 2 من الباب الثاني من الدستور تنصُّ على أنَّ سُلطة العفو تسمح للرئيس بـ "منح العفو وإيقاف تنفيذ الأحكام في الجرائم المُقترفَة ضد الولايات المتحدة، ويُستثنى من ذلك حالات إجراءات العزل". ولا يُوجد نص يُقيِّد مَن يمكن العفو عنه.
إشكاليات أخرى
وهناك إشكاليتان أخريان. فيمكن أن يفضي انتخاب ترامب إلى العفو عنه. لكنه لا يستطيع أن يعفو عن نفسه بسبب جرائم ضد الدولة. على سبيل المثال، يُحقِّق فاني ويليس المدعي العام لمقاطعة فولتون في جورجيا مع ترامب بشأن انتخابات 2020. والقضية تنطوي على بعض المسائل الإثباتية والقانونية الجسيمة التي يتعين دحضها في أي مُحاكمة، لكنّ ترامب يمكن أن يُدان فيها بسهولة.
وإذا انتُخِبَ ترامب، فمن الممكن أن يمحو جميع الجرائم الفدرالية، لكنه سيمثل أمام المحكمة في جورجيا خلال ولايته الثانية.
وقد تكون هناك مفاجأة عفو بانتظار بايدن. فإذا أُدين ابنه هانتر في نهاية المطاف، فيمكن أن يقتدي بايدن بالرئيس كلينتون الذي عفا عن أخيه غير الشقيق. ولو حدث ذلك، فسيكون إساءةً أخرى لاستغلال سلطة العفو لأغراض شخصية. لكنّ كلينتون انتظر حتى الأيام الأخيرة من ولايته الثانية ليتصرف؛ وإذا كان بايدن يبحث عن سبب لعدم الترشُّح، فربما يعفو عن ولده ثم ينسحبَ من الترشُّح لفترة ثانية.