بالرغم من وفائهم للمهنة في القطاع الحكومي، واعتزازهم بها، وتفويتهم لفرص كثيرة في القطاع الخاص أو في الخارج، ما يزال الأطباء في عيادات المستشفيات الحكومية يعانون الكثير فوق طاقتهم، لتلبية أكبر عدد ممكن من المراجعين.
ربما ننساهم في خضمّ الشعور مع المواطن والاهتمام بوضعه الصحي وعودته إلى أهله مبكرًا، ولكن، بالتأكيد نحن ننسى الطرف الآخر من المعادلة، وهو العنصر الطبي والمتمثّل بأطباء يحاولون جهدهم إرضاء الجميع.
علينا أن نتفهّم الحاجة النفسيّة التي يفترض أن يكون فيها الطبيب في أداء جيّد وكشف صحّي مناسب وموضوعي، ولو قمنا بتقسيم عدد الزيارات على الأطباء المحدودين في عددهم في العيادات الحكومية في المستشفيات، في وقت محدود للمراجعات، فإننا حتمًا سنفاجأ بأنّه دقائق يمكن أن تؤثر على الشرح العادل لطبيعة المرض مثلًا أو الشكوى قيد المراجعة، انطلاقًا مما نقول دائمًا من أنّ تشخيص المرض هو نصف العلاج.
يمكن أن يقول بعضهم: هذه حالنا وهذا عمل نبيل ووطني ويأخذ عليه الطبيب أجرًا، فهو في النهاية موظف!..لكنّ من حقنا أن ننصف هذا الطرف المظلوم عادةً في عدم الانتباه إليه، وتكفي زيارة واحدة عيادة طبية حكومية لتظهر لنا حجم الاكتظاظ الذي يعانيه الطبيب، وقد يكون هؤلاء المرضى بحاجة فعلًا إلى كلّ دقيقة من الوقت يعودون فيها إلى بيوتهم وأعمالهم وأشغالهم، ولكنّ ذلك بالتأكيد سينعكس سلبًا على نفسيّة الطبيب الذي هو قاب قوسين أو أدنى من المكان الذي يجمع الكثير جدًا من المراجعين.
ما العمل إذن؟!..في الواقع، الحل مشترك ما بين جهات عديدة، لكنّ الأهمّ هو رفد العيادات الحكومية بالمزيد من الأطباء الأخصائيين، لكي يتمّ التوزيع فيما بينهم، وهذا أبسط حلّ من حلول يمكن أن تتبناها وزارة الصحة بشكل تفصيلي، وفتح مراكز وعيادات جديدة في أكثر من موقع، والعمل على جدولة الأدوية بحيث تصرف كل ستة أشهر للأمراض المزمنة دون الرجوع للعيادة.
وفي عدة مقابلات متكررة لوزير الصحة الحالي الدكتور فراس الهواري في مكتبه أكد » مستعدون لاتخاذ الخطوات من أجل حلقة تنظيمية متكاملة لتخفيف العبء والضغط على العيادات الحكومية، لاسيما وان بعض العيادات الحكومية يراجعها أكثرمن ألف مريض يوميا، الأمر الذي تسبب تسبب بإرهاق الكادر الطبي ومعاناة المرضى، وسيتم انشاء مبان جديدة للعيادات، والعمل على تفعيل دور المراكز الصحية بشك أفضل لتخفيف الاكتظاظ على العيادات».
المرض لا ينتظر، صحيح، والموجوع يظلّ ينتظر الدور وربما يفتعل المشاكل تبعًا لحالته النفسية التي هي انعكاس لحالته الصحيّة، ولكنّ الطبيب أيضًا الذي يحتاج إلى جوّ مريح في العمل والاستماع للمريض وإعطائه حقّه من الوقت، هو أيضًا ليس إنسانًا آليًّا «روبوت»، وإنّما هو إنسان من لحم ودم وأعصاب في النهاية، مثلنا تمامًا، لديه ظروف بيتية وعائليّة ولديه ربما أبحاث وأعمال خارج أوقات الوظيفة، يضاف إلى هذا ما نعرفه جميعًا في مفاضلة الأطباء دائمًا ما بين الوظيفة العامة والخاصة في الأجور والرواتب، وهي مشكلة تقليدية تتبع عوامل ?ثيرة ليس هنا مجال الحديث عنها.
لكن، ومع ذلك، علينا أن نتفهم حاجة الطرفين: المراجعين والأطباء، فهما طرفان مهمّان في المعادلة، ولا بدّ من حلول جذرية ومباشرة لا تعتمد نسيان الحاجات الأصيلة والحديث فقط عن الواجب الوطني، فالطبيب يحتاج إلى التشخيص الحقيقي والوقت الموضوعي، لكي لا نندب حظّنا بعد ذلك من تشخيص خاطئ وسريع أودى بحياة مريض أو سبب له الكثير من المشاكل فيما بعد.