عثرت في أرشيفي على صورة قديمة لي تعود إلى عام 2004، التقطها مصور صحيفة الراية القطرية عندما كنت أعمل فيها، واسمه «محمد يوسف» من مصر الشقيقة، وعلمت أنه توفي منذ سنوات رحمه الله وغفر له، تمعنت في الصورة شكلا حيث كان زمانها مرحلة الشباب، وكيف تنعكس علامات الزمن والتقدم بالعمر على شكل الإنسان، ومن خلال الصورة أيضا دخلت الى أعماق الإنسان ونمط تفكيره عبر مراحل العمر المختلفة.
فهو يولد طفلا ينشغل باللهو واللعب، وفي وقتنا الحاضر أصبحت الألعاب لا تعد ولا تحصى وغالبيتها رقمية، ثم يعبر الإنسان إلى مراحل التعليم المختلفة في سن المراهقة والشباب، ثم الانخراط بالحياة العملية ومتاعبها الكثيرة إلى أن يدخل مرحلة الشيخوخة، وهنا لا بد أنه يراجع شريط حياته وسيرته الذاتية والتحديات التي واجهته والدروس المستفادة منها، والإنسان الموضوعي غالبا يتذكر نقاط التقصير والأخطاء التي ارتكبها في حياته.
ومن يحترفون مهنة الكتابة في الصحف والمنابر الإعلامية وتأليف الكتب، يخطر في بالهم العديد من الملاحظات بشأن مواطن الضعف، فيما كتبوه في مراحل سابقة من باب مراجعة الذات، وأنه لو عاد بهم الزمن الى الوراء لكتبوا بطريقة مختلفة أكثر نضجا على صعيد الصياغة والتفكير والتحليل، وربما غير البعض مسار حياتهم لجهة تبني رؤية فكرية مختلفة، لكن ذلك يدخل في باب التمني لأن الزمن لا يعود الى الوراء.
في كتابي الثالث الذي نشرته عام 2021، وعنوانه «الشبع من الحياة» ومضمونه سيرة ذاتية، اعتبرت أنه مرآة تعكس حياة ملايين البشر العاديين والبسطاء، الذين يواجهون تحديات الحياة المختلفة بإرادة وصبر، بعيدا عن أضواء الشهرة التي تكون زائفة أحيانا. وكتبت جملة على غلاف الكتاب تحت العنوان الرئيسي هي «عش حياتك مثل عمال المياومة «!، بمعنى استثمر وقتك بما هو مفيد بدون التفكير بهموم الحياة، ولا تشغل حالك كثيرا بالماضي والمستقبل وإن كان البعض قد يرى في ذلك «طوباوية».
في قصيدة عمر الخيام المدهشة «رباعيات الخيام»، التي غنتها الراحلة أم كلثوم بأداء رائع اقتبس منها بيتين:
'لا تشـــغل الـبال بماضى الزمان.. ولا بـــــآت العيش قبل الاوان'
» فقد تســـاوى فى الثرى راحلٌ غداً.. وماضٍ من الوف الســنين»..
وبيت القصيد في ذلك هو دعوة الإنسان إلى الاستمتاع بوقته باللحظة الراهنة، وتكريسها بما هو مفيد لأن الحياة فانية، لكنها ليست دعوة عبثية!
وفي كتابه «مت فارغا» يقول الكاتب الأميركي هنري ريد، أن أكبر خدمة يقدمها الإنسان لمجتمعه والإنسانية، هي أن يموت فارغا من أي طموحات وأفكار وأعمال خيرية تفيد الآخرين وتحسن حياتهم، لأنه قد يموت في أي لحظة وتموت أفكاره وطموحاته ومشاريعه معه، ويقول في كتابه بأن أغنى بقاع الأرض هي المقابر، لأنه يسكنها ملايين الأشخاص من مفكرين وعلماء ومثقفين وأثرياء وغيرهم، من أصحاب المهن والأعمال المختلفة رحلوا عن الدنيا، قبل أن يفرغوا ما يدور في تفكيرهم من مشاريع وأفكار الى برامج عملية تفيد الآخرين.
theban100@gmail.com