الجنرال «بوفر» يصف الاستراتيجية بأنها «فن الجدل بين إرادتين متعارضتين تستعملان القوّة لحل الخلاف». وفي هذا الاصطدام، بين الإرادتين، يتم التوصّل إلى قرار «حين يُفرض على العدو تأثيرٌ نفسي معين، فيقتنع أنه لا فائدة من بدء الصراع أو من جدوى الاستمرار فيه». ومنذ قيام دولة اسرائيل، كانت استراتيجية قادتها ترى أن طبيعة الخطر، وانعدام التوازن، في سعة الأرض وعدد السكان، بين الطرفين المتصارعين سيزداد مع الزمن، وهو ما يجعل الحل الوحيد للمدى الطويل هو توصل إسرائيل إلى تسوية سلمية نهائية مع جيرانها. ولكن كيف..؟!
الجنرال «هركابي»، رئيس الاستخبارات الإسرائيلي الأسبق، يرى: أنه إذا كانت التسوية، عادةً، تنطوي على حل وسط، وتنازلات من الطرفين، لجعل الاتفاق ممكناً، فإن إسرائيل، ونظراً لطبيعة الخطر العربي، تزعم أنها لا تستطيع تقديم إلا أقلّ التنازلات، وهو ما يعتبره العرب غير كاف. وهذا يعني أنه ليس هناك حل وسط، يكون مقبولا طواعية من الطرفين، وهو ما سيؤدي إلى جمود كلّ مساعي التسوية، وذلك لأن الأهداف الجوهرية لكلا الطرفين باقية من دون تغيير. وعليه فإن الجنرال، العتيد، يرى أن المخرج الوحيد من هذا المأزق هو قيام أحد الطرفين بفر? تسوية بالقوة. وهو بديل يتوقّف على تحقيق تفوق حاسم، استراتيجياً وعسكرياً، ولتحقيق ذلك، هناك طريقان لا ثالث لهما؛ نصر عسكري ساحق، وقد استنفدت حرب حزيران أمكانية ذلك وأثبتت بطلانه، أو بتحسنٍ عظيم، كمّاً ونوعاً، في القوة العسكرية، من جانب واحد، وهو ما أنجزته إسرائيل، خلال العقود الماضية، بامتلاك وإنتاج السلاح النووي. وهي استراتيجية قامت على اعتبار أن الدول العربية لَن توافق على تسوية نهائية للنزاع، ما دامت تعتقد أنها قادرة، الآن أو في المستقبل، على القضاء على إسرائيل، وعليه فإن مهمّة إسرائيل تحددت بإزالة تلك ?لفكرة. وهو ما عبّر عنه «أبا إيبان»، قبل أكثر من اربعة عقود، حين قال: «إن لسياستنا في التطويق والردع هدفين. فهي، بالمعنى الدقيق للأمن، تهدف إلى حماية أرضنا وأرواحنا. نريد أن نخلق الشك.. وبالتالي الاستسلام واليأس من الحلم بإزالة إسرائيل من خريطة العالم».
بعد أحداث أيلول/سبتمبر الأميركية، أيقن قادة إسرائيل، بأن تنفيذ الهدف الاستراتيجي المزمن على الأرض قد حان أوانه، وهو فَرضُ التسوية من جانب واحد. وتسارعت وتيرة فرض الحل بعد الغزو الأميركي للعراق، عبر الانسحاب من غزّة، ومحاولة رسم حدود الدولة العتيدة شرقا في الضفة الغربية وغور الأردن.
بالاحتلال الأميركي للعراق، لَمعَ أمام قادة إسرائيل بريقُ الهدف الاستراتيجي الجديد للدولة، وهو تحرّر الاقتصاد من تبعيته المزمنة، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي لصناعتها ومشاريعها، وذلك بالتعادل والتبادل الإقليميين من خلال «تركيا والهند وإفريقيا والمنطقة العربية وغيرها». وهو تعادل واستقلال لا يتم إلا بتسوية، تقوم بمعظمها على الشروط الإسرائيلية، وتُفرض على العرب والفلسطينيين فرضاً.
وَرَدَ في التوراة أن «جفته»، وهو أحد ملوك إسرائيل، كان ابنا غير شرعي، ولهذا فقد طردته الأسرة من منزلها، فترأس عصابة من المغامرين. وعندما استنجد به قومه، لنصرتهم ضد «العمونيين»، قبِلَ رجاءهم، على أن يقدم للآلهة «قرباناً» يكون أول شخص يدخل عليه مهنئاً بالنصر. وكان أول الداخلين عليه ابنته الوحيدة. فقتلها كارها..!
تُرى هل سيُفاجأ «جفته الأميركي» بابنته الوحيدة، تُزاحمه على «وليمة العصر» في عالَم اليوم، وخصوصاً في الإقليم العربي، كهدف استراتيجي جديد لها، لاسيما بما نراه ونسمعه ويتمّ تسريبه عن استباحات لـ«طلائع الدولة العبرية»، أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وعلمياً، في أكثر من اتجاه في منطقتنا العربية الرحبة المناحي والموارد..؟
FAFIEH@YAHOO.COM