درجات الادمان باستخدام الهواتف الخلوية كل الوقت هو ناقوس خطر حقيقي نعيشه ويهددنا اليوم في كل لحظات حياتنا؛ ولكن الظاهرة الأكثر خطورة الإدمان المرضي للإستخدام أثناء القيادة والتي تنذر بستقبل ضبابي، وأنا هنا لا أتحدث عن استخدام الهاتف لإجراء مكالمة هاتفية قصيرة ذات شأن، بل مشاهدة منصات التواصل الإجتماعي وتبادل الرسائل وعبارات التبادل، إضافة لمشاركة أوسع للمجموعة، فالتسيهلات التي تقدم مغرية وتتغذى على جهل وانكار لقدرة العقل البشري على فقد التركيز لوهلة، تكون مدمرة وقاضية. مرحلة البدايات الذهبية لهذا السحر التكنولوجي، والاحتفال بولادة وسيلة اتصال عصرية تسهل من ربط الزمان والمكان والأشخاص، قفزت هذه الوسيلة لتحتل الأولوية أثناء القيادة أو الجلوس في المنزل، فعناصر الإدمان الحاضرة وذبذبات الأمواج نافذة عبر الجدران، فرصة للمعرفة والوحدة وتبادل صور الموضة وفيديوهات التواصل ليصبح الانخراط على حساب العقل والجهد والعائلة. على الشاطىء الآخر، هناك فئة اجتماعية تسكن بقصور عاجية مرتفعة، كنتيجة مغلفة لشبه المنطق لكثرة المتسولين في هذا البازار الفوضوي، وتنظر للآخرين بعين مختلفة نتيجة صورة وهمية رسمتها لذاتها بأنها تمثل القدوة تحت فاصل الممنوع، وعلى الجميع الأخذ بها بل ويمنع تحليلها أو مناقشتها أو تفنيدها لأنها تخطت حاجز الوهم لتفرض أجندتها كل الوقت.
لم تظهر حتى الساعة الدراسات الصحية لآثار الإدمان والتعلق؛ حقيقة واحدة نعرفها بأنها أوهنت العلاقات العائلية وأضعفت الترابط الأسري، ولكن قوة الذبذبات الخلوية التي تصنع التشويش على الأجهزة الكهربائية ومحركات الطائرات العملاقة؛ منطق يفسر خطورتها على المستوى الفردي؛ وربما من الحكمة أن يبدأ البحث عن هذه الآثار على وظائف الدماغ بمختلف الأعمار والمستويات، حتى لا نقف أمام حقيقة عرجاء بقالب الدهشة المستقبلية، فمؤشرات التطور تبعث برسائل تحذيرية بالتوازي للفرد والعائلة، تلزم بضرورة الضبط للحماية ومتابعة الورشات الارشادية للتثقيف وتصحيح مفاهيم الحرية والاستخدام للفائدة، سيجعل من البُعد الثالث على أرض الواقع يتطلب تفسيرا موثقا بدرجات الإقناع، تمهيدا لعودة الروابط العائلية والاجتماعية لدفئها ومرونتها، المستقبل يبدأ من اليوم وليس الأمس أو توقعات الغد، فالتاريخ هو المعلم الأصدق وأغنى محفز للذاكرة لتحديث سجلاتها، فالقلب المصمم للحب، ليس فيه مساحة للحقد وللحديث بقية.