محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

«الكاميرا الخفية» لموسى أبو رياش.. مجموعة قصصية أم رواية ما بعد حداثية؟

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
أسيد الحوتري - (كاتب أردني) إن المطلع على روايات الروائي الفرنسي ميلان كونديرا يعلم جيدا أن رواياته التي تصنف روايات ما بعد حداثية عبارة عن مجموعة من قصص قصيرة لا يربط بينها إلا رابط واحد هو الثيمة أو الموضوع. ولعل (حفلة التفاهة) مثال جيد لروايات كونديرا الما بعد حداثية، حيث تبدأ الرواية بامرأة تراقب امرأة أخرى ترتدي لباس يظهر سرتها، وتبدأ التساؤلات عن سبب إظهار السرة. ينتقل كونديرا بعد ذلك إلى مشهد آخر يتصدره الزعيم الروسي السابق ستالين وهو يقص على أصدقائه في الحزب إحدى النكات، فيعتقدون بأنه يخبرهم عن تجربة مر بها ويصعب تصديقها، فيتهمونه بالكذب. ينتقل كونديرا مرة أخرى إلى مكان جديد وشخصيات مختلفة، إلى مشهد يطلق فيه صياد الرصاص على تمثال لملكة فرنسا، فتكسر الرصاصة أنف التمثال، فيقع المراقبون للمشهد في حيرة من أمرهم، أيضحكون أم يستنكرون العمل؟ قصص قصيرة لا علاقة لإحداها بالأخرى من حيث الشخصيات والمكان والزمان وترابط الأحاث أو تشابكها. أما الرابط الوحيد الذي جمع بين كل هذه القصص فهو الثيمة: الموضوع، الذي هو التفاهة، تفاهة كثير من أحداث الحياة، وقد تجلت هذه التفاهة في التأمل في موضوع إظهار السرة وجوانب الإغراء فيها، والحديث عن النكتة التي قالها ستالين والتي حملت على محمل الجد من قبل أصدقائه، وكسر أنف تمثال ملكة فرنسا. فالسرة، والنكتة، وأنف التمثال المكسور، مواضيع تافهة تكتسح الرواية فتبرز ثيمة التفاهة التي ربطت بين هذه القصص الثلاث. وتجدر الإشارة إلى أن كونديرا يعتمد الثنائيات الضدية في رواياته، وفي رواية (حفلة التفاهة) اعتمد ثنائية المتعة الإيروسية والمعاناة الإنسانية.

إن المتأمل في مجموعة القاص موسى أبو رياش القصصية (الكاميرا الخفية)، يجد أن القاص قد سار بطريقة أو بأخرى، عن قصد أو عن غير قصد، في الدرب نفسه الذي سار فيه كونديرا. فقد قدم أبو رياش للقارئ خمس عشرة قصة قصيرة منفصلة عن بعضها بعضا ولكن يربط بينها رباط الثيمة والموضوع. قصص تشبه الخرزات المنظومة في المسبحة، والثيمة كانت الخيط الذي جمع بينها. لقد عالجت قصص (الكاميرا الخفية) موضوعا واحدا مشتركا هو تصوير عوالم متضادة، عالم المتعة وعالم الألم، عالم الحقيقة وعالم الخيال، عالم الممكن وعالم المستحيل، وهكذا دواليك. وهنا تظهر وبشكل جلي الثنئيات التي قدمها أبو رياش والتي تستدعي ثنائيات كونديرا.

ستبحث هذه المقالة عن العوالم المتضادة في كل قصة من قصص (الكاميرا الخفية)، لنرى في النهاية إن كانت هذه الثيمة موجودة في كل القصص أم لا، فإن كانت موجودة فهذا يمكن أن يجعل من هذه المجموعة القصصية رواية ما بعد حداثية على طريقة ميلان كونديرا.

الدارس لعنوان المجموعة القصصية (الكاميرا الخفية) سيكتشف أن هذا الاسم يحمل بين طياته عالمين: عالم الحقيقة الذي يعيش فيه الناس، وعالم التمثيل الذي أعده القائمون على برنامج الكاميرا الخفية، إن كان هذا هو المقصود بالكاميرا الخفية. أما إن كان المقصود بالكاميرا الخفية وجود أحد ما يرصد بكاميرته سرا أو بأي وسيلة أخرى أحوال طرف آخر، فنحن من جديد أمام عالمين: عالم الراصد الذي لا نعرف عنه شيئا، والعالم المرصود الموجود في القصص.

أما بالنسبة إلى غلاف المجموعة القصصية فهو يؤكد أيضا فكرة العوالم المتضادة. فالغلاف الأمامي مقسوم إلى قسمين متناظرين: القسم الأعلى الذي سيطرت عليه الكلمات: عالم الكلمات؛ والقسم الأسفل الذي سيطرت عليه الصورة: عالم الصور. وعالم الكلمات قد يشير إلى كل أشكال النصوص المطبوعة والمكتوبة، أما عالم الصورة فيشير إلى كل الصور والرسوم أينما كانت. كما أن الصورة التي على الغلاف تعرض فضاء أسود تتمازج به مجموعة من الألوان وكأنها عوالم مختلفة ألوانها تسبح في فلك الحياة، تسبح فضاء النص. فتشير هذه المجموعة المتمازجة من الألوان إلى الأرضين، جمع أرض، أما السواد فيشير إلى السماوات، وهنا يتجلى التضاد من جديد.

وجاء إهداء المجموعة القصصية ليؤكد فكرة تصوير عوالم متضادة أيضا. لقد أهدى أبو رياش المجموعة القصصية إلى روحه أخته، رحمها الله. وهنا يكون القاص بين عالم الحزن الذي غابت عنه شقيقته، وبين عالم السرور الذي كانت ما تزال تحيا فيه شقيقته «نسمة صبا وطيف الضياء» (ص5).

أما القصة الأولى في المجموعة فتحمل عنوان (موعد مع الحياة)، فالعنوان يشي بوجود عالمين يعرضهما القاص: عالم الحياة وعالم الموت ولو على سبيل المجاز. عالم الموت هو العالم الذي قضاه المدير في العمل وفي ضوضاء المدينة وتلوثها، أما عالم الحياة فتمثله القرية التي قضى فيها المدير ليلة حيث جمال الطبيعة ونقاء الهواء، القرية التي قرر المدير أن يجول أرجائها «ليقطف من الطبيعة عناقيد صفاء ونقاء، ويتمرغ في هدوئها وجمالها، ويكتشف ما فيها من حياة» (ص12).

أما القصة الثانية التي تحمل عنوان (شمس) فتسرد قصة طالب يقرأ رواية (قواعد العشق الأربعون) فيفتن بالعالم الذي تقدمه الرواية، ويتقمص شخصية شمس التبريزي: «أنا شمس... شمس... شمس... ويكررها دون توقف» (ص15). وهذه القصة تمثل ما يفعله الكثير من القراء، فهم يقرأون ليهربوا من عالم الواقع الممل إلى عوالم خيالية جديدة.

القصة الثالثة تحمل عنوان (قبر مفتوح)، والقبر يمثل بالضرورة عالم البرزخ الذي يفصل بين عالمين متضادين: عالم الدنيا، وعالم الآخرة. تسرد القصة حكاية رجل يخرج من القبر بعد أن دفن، ويعود للحياة الدنيا، لكنه يتعرض لصعوبات كثيرة كان آخرها مع رجال الأمن، فيخاطب العائد من بين الأموات أحد رجال الأمن قائلا: «اكتب كل ما تريد، جريمة، جريمتين، عشرا. المهم أن أصل إلى حبل المشنقة بسرعة. لقد اشتقت إلى قبري يا رجل. لقد أوحشني البعد عنه» (ص٢٤). نهاية مأساوية يظهر فيها التضاد، حيث يفضل الرجل المتهم عالم الأموات على عالم الأحياء.

تروي القصة الرابعة التي تحمل عنوان (شغالة تحت الطلب) قصة عالمين متضادين أيضا: الأول عالم الظلم والوحدة الذي تعيش فيه امرأة عانس بلغت الأربعين، «فحياتها وعمرها ليس لها، فهي مجرد شغالة متاحة تحت الطلب لإخوتها المتزوجين، ولأخواتها المتزوجات»، (ص27)، أما العالم الثاني فكان العالم الأُنس والاستئناس التي كانت تحيا فيه مع والدتها عندما كانت على قيد الحياة والتي"كانت مظلتها الوارفة وحضنها الدافئ ودنياها الجميلة» (ص27).

القصة الخامسة (تغيير جذري) تروي قصة رجل يعيش في رتابة وملل، يقسم يومه إلى عالمين: عالم العمل صباحا، وعالم الملل ليلا حيث يعود إلى البيت فيأكل ويشرب ويبدأ بتقليب المحطات التلفازية دون أن يرسو على شاطئ أي قناة، ثم يتجه للقراءة. في يوم ما، يقرر الرجل أن يغير (روتينه) أو عالمه المسائي. ففي مساء اليوم التالي يبدء بالقراءة ثم بتقليب المحطات. يسمع الرجل صوتا يعاتبه على عدم تغير عالمه الممل الذي يحي به، وينصحه بالخروج من قوقعته ويقول له: «اخرج إلى الشارع، واستمتع بالحياة... زر أحد أصدقائك، تناول وجبة في مطعم شعبي، زر مكتبة، تسكع في أحد الأسواق» (ص36). وهكذا يبقى على هذا الرجل أن يتخذ القرار، فأي عالم سيختار: عالم التقوقع أم العالم الانفتاح على الخارج؟

تروي القصة السادسة التي تحمل عنوان (الكاميرا الخفية) قصة رجل تعرض لصفعة على وجهه، ثم اكتشف بأنه وقع ضحية برنامج الكاميرا الخفية. وهنا من جديد يظهر أمامنا عالمان: عالم الواقع، وعالم التمثيل الذي أعده طاقم برنامج الكاميرا الخفية. وبعد انتهاء تصوير المقلب الذي تلقاه البطل من برنامج «الكاميرا الخفية»، يخلق لنفسه عالم كاميرا خفية دائم. فبعد كل مصيبة يقع فيها يقول (هذه ولا شك الكاميرا الخفية)، فيتقبل مصيبته بصدر رحب. لقد طورت هذه الشخصية عالما متخيلا تعيش فيه كنوع من آلية دفاع نفسي تساعد على تحمل المصائب التي تحل به. وهنا يتضح كيف يهرب بعضهم من عالم الحقيقة إلى عالم الوهم.

القصة السابعة (عنتريات) تسرد حكاية رجل يحيا في عالم ينغصه عليه صديق له يدعى سرحان. وسرحان هذا شخص مدع يقول ما لا يفعل، ولا يتوقف عن «السّرَحان» في صديقه بعنتريات يدعي أنه كان سيقوم بها لولا أنه كان كذا وكذا. يتطلع هذا الرجل إلى عالم صادق يخلو من أكاذيب وادعاءات سرحان. وفي زيارة يقوم بها سرحان لصديقه، يقول الرجل: «ثم دفعته خارج البيت، وخارج حياتي إلى الأبد، وشعرت براحة كبيرة، وسعادة غامرة» (ص50). وهنا كنا معا أمام عالمين: عالم تعيس يحتوي على سرحان، وآخرٌ سعيدٌ بدون سرحان.

القصة الثامنة (تناوب)، قصة عجوز تعيش وحدها «في بيتها الصغير، لا أنيس ولا رفيق، إلا من جارات يزرنها أو تزورهن بين الحين والآخر. أما أولادها وبناتها، فيزوروها واحد أو واحدة منهم نهاية كل أسبوع» (ص53). تقضي العجوز وقتها في الصلاة والذكر وأعمال المنزل البسيطة وفي استعادة تلك الذكريات الجميلة أيام ما كان البيت يعج بالحياة. في أحد الأيام تقترح أحد الجارات عليها أن تعيش في عالم جديد بعيد عن الوحدة، عالم تستأنس فيه بأولادها، فتقول الجارة لها: «لم لا تعيشي عند أحد أولادك الخمسة؟» (ص54). ترفض العجوز عالم جارتها المقترح، لأنها تفضل مواصلة السكن في البيت نفسه الذي سكنته مذ كانت عروسا حتى لو كانت وحيدة فيه، فذكرياتها خير أنيس.

(تطهير) هي القصة التاسعة، والعوالم المتضادة فيها جلية: عالم بشري قديم صالح، وعالم بشري جديد استشرى فيه الفساد، وعالم الجرذان التي تحاول السيطرة على عالم البشر لأنهم يعتقدون بأنهم «أحق بهذه المدينة من أهلها» (ص62). (تطهير) قصة صراع بين عوالم ثلاث، وحنين إلى زمن القسط والعدل والصلاح.

(أجمل طبيب) هي القصة العاشرة وتتماهى هذه القصة بشكل أو بآخر مع القصة الأولى التي حملت عنوان (موعد مع الحياة). تعرض (أجمل طبيب) عالمين متضادين: عالم المدينة حيث «ضغط العمل، والتوتر النفسي الشديد، والإرهاق المستمر» (ص68)، «وعالم الريف وجماله وهدوئه ونقائه وطبيعته الآسرة»، (ص71) أما طارق، الشخصية الرئيسية في هذه القصة، فيجد نفسه مجبرا على اتخاذ قرار مصيري يختار فيه بين هذين العالمين.

القصة الحادية عشرة ترسم أيضا عالمين متناقضين: عالم ريعان الشباب، «فقد كنا في ريعان الشباب، وقمة النشاط والحيوية"(ص75)، وعالم الكبر والشيخوخة، «معيبين على هذا الجيل عدم تقديره للكبار» (ص75). تسرد (فواتير) أحداث لقاء يتم بالصدفة بين صديقين قديمن يتذكرا فيه «الزمن الجميل»، ثم يتفقان على آلية لجسر الهوة بين عالم الماضي وعالم الحاضر.

(جسر الحرية) هي القصة الثانية عشرة، ولقد عزفت تقريبا على الوتر نفسه الذي عزفت عليه قصة (شمس) إلا أن اللحن كان أكثر صخبا، فأكدت القصة على أهمية العوالم التي تقدمها الروايات والكتب. تحدثت (جسر الحرية) عن عالمين رئيسين: العالم الواقعي: خارج السجن وداخله، وعالم الخيال الذي تقدمه الكتب. يقول السجين عن الكتب: «وجدت أن كل كتاب عالم قائم بذاته، له نكهته، وطعمه ومذاقه الخاص»، (ص83).

أما القصة الثالثة عشرة (الناشرة الحسناء)، فهي عن كاتب غزير الإنتاج يود أن يدخل عالم الأدب عن طريق نشر ما كتب، إلا أن لدور النشر شروطها وقيودها التي لا تسمح لمن هب ودب بالدخول إلى هذا العالم. مع ذلك تبنت ناشرة حسناء رواية من رواياته فنشرتها على حسابها على أمل أن تحلق الرواية به إلى عالم الأدب، فـ"نجحت الرواية، وراجت بين القراء، وفازت بجائزة وطنية، مما رفع أسهم خالد الفرج، وأصبح اسما لامعا في سماء الأدب» (ص82). تعرض هذه القصة كسابقتها أهمية الكتاب في الانتقال من عالم إلى عالم آخر. يكون الانتقال أحيانا معنويا كما حدث في قصة (شمس)، لكنه يكون ماديا كما في هذه القصة، ويكون أيضا ماديا ومعنويا معا في آن كما في قصة (جسر الحرية).

وفي (المدير الحنون) يعرض القاص عالمين متضادين: عالم الطبقة العاملة التي تقوم بإضراب في أحد المصانع، «إضراب العمال مستمر منذ أيام» (ص97)، أما العالم الآخر فهو عالم طبقة أصحاب رؤوس الأموال التي تنهي إضراب العمال بخديعة، وهكذا «عاد العمال إلى عملهم بصمت وهدوء» (ص99).

أما القصة الأخيرة فتعرض مجموعة من العوالم، عالم المسؤول: المشرف التربوي في القصة، وعالم المسؤول عنه: المعلمة، وهو عالم يقمع فيه الراعي الرعية. وعالم التربية والتعليم الواقعي من دون وجود المشرف، وعالم التربية والتعليم «التمثيلي» كما يعرض مع وجود المشرف حيث ترشو المعلمة الطالبات لتقديم حصة نموذجية أمام المشرف: «أريدكن نموذجا في المشاركة، وشعلة في النشاط... ولن أبخل عليكن بعلامات مجزية» (ص104).

وهكذا يتضح أن كل القصص صورت وعبر الكاميرا الخفية عوالم متضادة، عوالم حقيقية وأخرى متخيلة، عوالم تجلب المتعة وأخرى تجلب الألم، عوالم ممكنة وأخرى مستحيلة. هذه الثنئيات التي قدمها موسى أبو رياش تستدعي ثنائيات ميلان كونديرا. ويتبين أيضا أن ثيمة العوالم المتضادة هي المشترك بين كل هذه القصص التي تجعل من (الكاميرا الخفية) رواية ما بعد حداثية على طريقة ميلان كونديرا. رواية بحاجة إلى قليل من الرتوش حتى تكون في أبهى صورها.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF