الرأي الثقافي

قصة حب مغربية

نجوى مكتومة

أنا ذلك الشيخ الضرير، الذي أضاع الطريق وهو يتفادى نظراتك.

في ضريح الليل، تعلمت أن أسامح الدموع، أن أصافح ظلك.. وأرسم على عتبة الظلام ضياء عينيك، كانعكاسٍ شرس لغياب، مثقل بندوب الذكريات، بيد أن كل الألوان تفشل في رسم ترنيمة صوتك.

مثلث

هل يمكن أن أتهم -كل هذا التجاهل- بإضرام نيران الأنين في أسمال القلب؟!

اعتدت أن أرى ابتسامتك العذبة تعلو محياك الصبوح، لكن، يبدو أنها اختفت بمجرد رؤيتي. ربما، ربيعك لا يدرك أن خريفي لا يحق له التفكير فيك؛ فكنت أتفادى ابتساماتك خارج الوكالة أو أعتبرها مجاملة وظيفية لا لزوم لها على أرض الواقع.

ترتشف عيناي بهاءك الطارئ من خلف حاجز زجاجي. كنت جميلة جدا في ذلك الصباح، لن أكتب أنني فتنت بك في تلك اللحظة، وأنني وددت معرفة سر ذلك السحر.

أحسست بوخزة في قلبي، وأنت تتعاملين معي بجفاء لا يليق بعميل.

اعتدت أن أكون صامتا متجهما، وفي أول يوم، ولجت الإدارة، كنت بصحبة صديقي الشيطان الوسيم، حذرتك منه ضاحكا: «إذا عاد إلى هنا مرة أخرى، لا تترددي في طرده بعصا المكنسة»، بينما اكتفى -هو- بترديد لازمته كلما رأى امرأة جميلة، وهو يرفع يديه إلى الأعلى في تضرع ذليل: » الله، ياربي الله، آش هادشي!؟».

وقفت أمام الوكالة، نظرت إلى طاولة المقهى المقابلة لمكتبك، التي اعتدنا الجلوس إليها، التفت إليك، انحنيت لتلتقطي شيئا تعمدت إسقاطه، وربما لتخفي دموعك الداخلية، التي ستنسكب من عيني في هذه اللحظة، بينما ضحكة صديقي تزلزل قلبي وأنا أتذكر طرفته القديمة، أثناء مقامه في إحدى المدن الصغيرة؛ كلما التفت وجد امرأة تشهر مفاتنها، وحين رفع عينيه إلى السماء: «الله، يا ربي، الله آش هادشي؟!»، اصطدم بصره بامرأة تطل من النافذة، فغر فاه وهو يحدق فيها.

****

- هل هناك شيء ما بينك وبينها؟

- لا، أبدا...

- لم تعتد أن تزورني كل يوم، لأن هذا الحي لا يناسب مقامك الرفيع.

- يا سيدي الفاضل، أنا آتي لتحويل الأموال إلى عملائي لا غير.

- أرجوك، لا تقحم هذه الآنسة في مغامراتك.

- تتحدث معي ببرود قاس، هل أنت مغرم بها؟!

هروب أزلي

تهربين من نظراتي أهرب من عينيك نمعن في الهروب من الفحيح فقالت الحية للمرأة لن تموتا ينهش قلبي الشوق أدفن لوعتي في كؤوس متتالية أخجل من دمعي الطارئ أغادر الشرفة أرنو إلى النصف الشاغر دوما من السرير فيغمر طيفك كل مفردات حجرة النوم ألمح الحية التي كانت تحوم حول شجرة محرمة تنزلق من عل وتتمدد في ذلك النصف الشاغر من حياتي وأنت تتابعين رجلا يكتب هذه القصة التي لم يختر لها عنوانا بعد لأنه بدأها من النهاية بينما أنت تقضمين تفاحة من خلف زجاج شرفتك المعتم يهرب من نظراتك من هذا الحب المستحيل وتنهمر الدموع حين تشرق شمس عينين ضاحكتين يمرح فيهما الإستروجين في قاع قهوته المدلهمة.

- هامش:

(«فقالت الحية للمرأة: «لن تموتا!»، (سفر التكوين، الإصحاح 3، الآية 4)