بعد انتهاء فعاليات كأس العالم في قطر الشقيقة والتي حصلت على الدرجة الكاملة بالتخطيط والتنفيذ، بل وسجلت احترام الجميع بنجاحها الباهر ذات التحدي الأكبر، وضمن مساق المشاغبات التي مارسها البعض ضدها، استطاع الأردن أن يكون قلب الحدث والاهتمام العالمي لاستضافته لجلسات «الدورة الثانية لمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» والتي لها العديد من المؤشرات التي تتطلب الوقوف على محتوياتها ومعالمها، فالأردن معني وعرّابٌ بتوفير الظروف المثالية لبناء تكامل اقتصادي ضمن بيئة خصبة تشكل الرصيد الأوفر لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو العنوان والمضمون بسياسته الراسخة في تبني الهم العراقي، يرتدي بواقعه مؤشر على الحرص اللازم الذي تبذله دول الجوار للعراق والمنطقة، بغطاء ودعم دولي، لقناعة أكيدة أن أمن دول المنطقة ونموها واستقرارها هو كلٌ وحقٌ للجميع ولا يتجزأ، بل استحقاق منطقي للدول والشعوب، حتى وإن كانت هناك إعاقات متعمدة أو عفوية عبر محطات التاريخ بين الدول نتيجة اجتهادات أو ظروف خُطط لها لأسباب قد نجتهد بتحليلها بأبعاد ومصالح، وهو رسالة للمعنيين بأننا لن نترك العراق العربي ونحن معه، فالدول المشاركة بالمؤتمر، هي ممثل حقيقي للوضع الدولي الذي يتطلب الجلوس والمصارحة بالحديث المباشر بين الأقطاب، ليخرج المؤتمر برسالة واضحة شكلت بمحتواها خارطة طريق مستقبلية وتؤسس لمستقبل يعطي بريق الأمل لنقاء القلوب وسعادتها، فالحماس الذي نُسج فيه بيانه هو رسالة للجميع وعلى الجميع تفهمها وتحليلها للإستفادة منها.
المؤشر الثاني يتمثل باعتراف دولي بأهمية الدور المحوري للأردن برسم خطوط السياسات العالمية وضبط بوصلة الأحداث بما يتوافق ومكانته كبلد آمن مستقر، ضمن مسيرة ثابتة لا تقبل المساومة ولا تخضع لظروف التغيرات، باعتباره القلب والرئة للمنطقة، وحريص بالوقوف على مسافة واحدة من الأشقاء ودول الجوار، وقد استطاع المحافظة على هذه البيئة الآمنة فكان الأوحد الذي لم ينجرف بشعارات الربيع العربي التي مزقت البلدان وأتت بأتونها على المقدرات والخيرات، التي كانت بل ويجب أن توفر ميزانيتها للتطور والمنافسة العالمية بالتقدم الذي ينعكس على حياة الشعوب ورخائها، فالتحديات التي تواجه المنطقة كثيرة وتزداد تعقيدا وتأخذ أشكالا وأبعادا متحورة، تفرض للعقلانية حضورا حتى لا تصبح البيئة خصبة ومناسبة لممارسات الحركات الارهابية بدواع وأعذار، فهذا المؤتمر ينعقد من أجل خدمة المصالح المشتركة للدول المشاركة، لضمان أمن العراق وازدهاره واستقراره كركن أساسي في المنطقة.
المؤشر الثالث الذي يستحق إضاءة على أركانه هو رسالة يوجهها الأردن للجميع بأنه الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه أبداً في جميع القرارات والمشاريع التي تعنى بالمنطقة، بسبب إرث وطني وديني يحمله ويحافظ عليه، ذات أبعاد ثابتة، لأنه القوة الحقيقية المؤثرة ذات المصداقية، يؤمن بلغة الحوار، يساهم بنشر العدالة، ويوفر السبل للعمل الجماعي الكفيل لترجمة السلام والاستقرار، مذكراً بدافع الحرص الوطني، لاجتهد بتحديد وتحليل المعالم الرئيسية للرؤية الملكية بخارطة الطريق الجديدة والمتجددة لبناء الدولة الأردنية الحديثة؛ محطات توجيهية يجب الوقوف على معالمها وقراءة أسطرها بصورة صحيحة وواضحة، حتى حروفها الصعبة التي تنسج لمستقبل يليق بطموح الذين سكنوا أرضها وأسكنوها قلوبهم، فالنجاح ليس حكرا، وتحقيق البعض له صدفة لا يشكل أنموذجا للاقتداء، بل هو هدف شرعي يتحقق بالمثابرة والمتابعة وبذل الجهد وتوظيفه بالمكان والزمان الصحيحين، وهو الثمار الحقيقية لجهود التكاتف للبناء؛ كل في مهنته التي يجود بعطائها، وعلينا التعامل مع المعطيات بواقعية بعيدة عن الفتوى وزراعة بذور الشك، حتى لو كان هناك عثرات أو تأخير، فتوحيد الجهود هو الكفيل بتجاوز الصعوبات، شريطة أن نعرف حجم قدراتنا ونوزع جهودنا، بما يتفق مع المعاني التي نجتهد لتوظيفها وترجمتها، بتجرد من مبدأ الفوقية الذي التهم مقدراتنا.
التكامل المحوري بين الأردن والعراق ومصر، كان له حضوراً لتأكيد البدايات بأهمية التعاون العربي من أجل الشعوب والمنطقة، مباحثات ثلاثية بين الزعماء تناولت سبل تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان الثلاثة، ضمن آلية التعاون الثلاثي والتي قد تؤشر أنموذجا لإنضمام المزيد من الأشقاء لهذا الحلف العربي بقوته الإقتصادية والعسكرية والسياسية، فقد تم التأكيد على ضرورة البناء على ما تم إنجازه واستكمال المشروعات المشتركة وتسريع تنفيذها وتذليل العقبات أمامها، بما يحقق مصالح الدول الثلاث وطموحات شعوبها، إضافة لأهمية استدامة آليات متابعة تنفيذ المشاريع على مستوى الوزراء والمسؤولين في الدول الثلاث، خصوصا في مجالات الربط الكهربائي والطاقة والأمن الغذائي، بما يحقق التكامل على مستوى الإقليم، فالأردنُ القوي المستقر، قَلبُ الحدثِ وللحديث بقية.