د. عدلي قندح
إن مساحة التحرك المتاحة هي التي تحدد حجم الانجاز الممكن في أي مشروع أو قطاع أو حتى على مستوى الاقتصاد الكلي. فعندما نتحدث عن معدلات النمو الاقتصادي الخجولة عند مستويات لم تتجاوز 2.5 بالمتوسط منذ عام 2010، باستثناء عام 2014 الذي وصلت فيه الى 3.1%، تكون مساحة التحرك المتاحة ضيقة جداً على مستوى الاقتصاد الكلي. وعندما نتحدث عن مساحة التحرك المتاحة أمام السياسة المالية نجد أنها ضيقة جداً لذلك وصلنا الى موازنات عامة مثقلة بعجوزات متكررة ومتزايدة أدت الى تحميل اقتصادنا عبء مديونية متفاقمة سنة بعد الأخرى بالارقام والنسب المئوية.
وعندما نتحدث عن أزمات كبيرة في قطاعات الطاقة والمياه منذ سنوات وعقود طويلة، عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلها، فاننا بلا أدنى شك نتحدث عن مساحة تحرك ضيقة كُبِلت بأطر تشريعية ومؤسسية فقيدت القدرة على التحرك باريحية واوصلت الموازنة الى وضع حرج أصبحت تعتمد على مصادر محددة من الايرادات الضريبية كان من الممكن التحرر منها لو سمحنا لمساحة التحرك للقطاع الخاص أن تكون أوسع وأكبر وأكثر تنوعا.
وعندما أخذ قرار الانفتاح الكبير للاقتصاد الاردني على العالم في عقد التسعينيات من خلال برنامج التخاصية الشمولي باعطاء القطاع الخاص دور أكبر في الاقتصاد، ومن خلال الانضمام الى منظمة التجارة العالمية وتحرير التجارة والمدفوعات، تم ذلك دون ان يعطى القطاع الخاص المساحة الكافية واللازمة للتحرك في القطاعات الحيوية (كالطاقة والمياه) فقيدنا تحركاته في قطاع الطاقة التقليدية والمتجددة لاسباب اعتقدنا أنها لازمة لحماية ايرادات الخزينة، أو لاسباب فنية تتعلق بالقدرة التخزينية لشبكة توزيع الكهرباء، او لاسباب تتعلق باتفاقيات حصرية أو اتفاقيات أمتياز لشركة هنا أو شركة هناك.
وكانت النتيجة أن أوصلنا خزينة الدولة الى وضع محرج لتعتمد فيه بشكل كبير على الأيرادات الضريبية، بمعادلاتها المعقدة، من ثلاث منتجات رئيسية هي مشتقات النفط (بنزين وسولار وكاز) والسجائر والمشروبات الكحولية، بالاضافة الى العدد الكبير من الرسوم والضرائب غير المباشرة بمسمياتها المختلفة على مختلف المعاملات اليومية للمواطن والشركات والقطاعات بمختلف أنواعها. ولا بأس ان تعتمد الخزينة على الايرادات الضريبية على أن تكون من الدخل والارباح أكثر من اعتمادها على ضريبة المبيعات غير العادلة.
اعطوا القطاع الخاص المساحات اللازمة للتحرك باريحية في قطاعات الطاقة والمياه دون قيود او شروط الا من حيث المواصفات والمقاييس وستكون النتيجة ايجابية على جيب المواطن ونوعية السلع والمنتجات وعلى خزينة الدولة.
التحرر الاقتصادي والمنافسة التامة مطلب اساسي للتحرر من مشاكل قطاع الطاقة، وهو القطاع الحيوي الذي يؤثر على حياة المواطن وجيبه وعلى تنافسية الصناعة الاردنية وقدرتها على المنافسة في الاسواق، وبالتالي على تعظيم دور القطاع الخاص في الاقتصاد والذي ستكون نتيجته دعم الخزينة بالايرادات اللازمة. وهذا يكون بوجود عدد كبير من البائعين والمشترين في هذا السوق؛ وتجانس في السلع، بمعنى ان تكون السلع المتوفرة بدائل تامة لسلع المنتجين الاخرين؛ والمعرفة التامة بمعنى توفر المعلومات الدقيقة والصحيحة عن الاسعار ونوعية المنتجات في الاسواق لدى المنتجين والمستهلكين، حتى تنعدم مسالة احتمالية رفع الاسعار دون مبررات. وأخيرا حرية الحركة، بمعنى أن تكون هناك حرية تامة لدخول وخروج المنتجين من الاسواق، سواء من الناحية القانونية أو المؤسسية.
فلنوسع مساحة التحرك للقطاع الخاص لنزيل الحرج عن الحكومة والخزينة وليصبح كل شيء ممكن. القطاع الخاص نجح بامتياز في الكثير من القطاعات عندما تُرِكت له مساحة واسعة للتحرك. وهناك قصص نجاح كثيرة نتلوها في قطاع الاتصالات، والزراعة (الزيتون والخضروات والفواكه) والادوية، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها. القطاع الخاص يذهب الى الصين وأميركا الجنوبية واستراليا لتوفير الكهربائيات واللحوم والاغذية وسيعمل كل ما بطاقته لتوفير مختلف أنواع المشتقات النفطية واستغلال مختلف مصادر الطاقة الأخرى المحتملة في الاردن اذا ما مُنِح مساحة تحرك مناسبة. لتفتح أبواب الاستثمارات غير المقيدة للقطاع الخاص المحلي والعربي والاجنبي وستكون النتائج ايجابية على كافة الاطراف وأولها المواطن والخزينة والاقتصاد الكلي.