ليست سوى محطات.. في كل محطة لنا بها جزء من أعمارنا..
الحياة ليست سوى محطات ومراحل نودع مرحلة ونستقبل اخرى واحيانا لا نتذكر الكثير منها كيف مرت بنا لكننا ما أن نصل لعمر معين حتى نتساءل كيف كبرنا..؟
وكيف مضت السنوات بنا.. وكأن الأمس قريبا
وكأننا ما ودعنا الطفولة ولا رائحة أمهاتنا..
كيف مضت السنوات وبالأمس كنا نحيا فرحا وجوديا كل ما نراه يثير دهشتنا.. الأمكنة.. الآخرين.. نظرات الحب الأولى... مواعيد الاصدقاء الجميلة... قلوبنا التي تفيض بالمشاعر والحب... نفوسنا التي تحلم دون خوف من الآتي..
كيف مضت السنوات بنا.. وكيف تغيرت الحياة وتغيرنا نحن وتغير كل من حولنا...
للحد الذي لم تعد الحياة تثير دهشتنا من جديد وباتت لنا محطة اخرى من محطات ستمضي في وقت ما...
لا يمكننا حقا أن نفهم جدلية الحياة ولا أن نكتشف حقيقة مشاعرنا اتجاهها لأننا لا نستطيع أن نحدد ماهيتها ومقدار السعادة التي تمنحنا إياها..
ولكن في إحدى محطات الحياة نستوعب الحياة أكثر ونتمكن من التأقلم مع جزء من حقيقتها وتقبل تقلباتها.. وكأننا نتصالح معها ومع أنفسنا أكثر..
كلما كبرنا أكثر كلما اكتشفنا أن الحياة لا تمنحنا ولا تحقق لنا كل أحلامنا.. لكنها تدع لنا متعة الحلم والتمني..!!
كلما كبرنا أكثر تؤكد لنا الحياة أن أكثر الذين نحبهم لا يمكنهم أن يبادلونا ذات المشاعر تماما كما تحب الأم أطفالها وتحيا وهي تحملهم بنبضات قلبها وروحها ولا ترى الأيام
إلا من خلالهم.. ولكنهم يتغيرون ويكبرون ويمضون في عالم لا يمنحهم الوقت الكافي ليتذكروا عمق ذاك الحب...
تذكرنا الحياة ألا ننتظر أي مقابل لحبهم لأنهم قطعة من الروح والقلب... ولأنهم لن يدركوا ما نستحقه نحن منهم إلا بعد أن لا نلتقي بمحطة واحدة..
كلما كبرنا تمنحنا الحياة الاكتفاء الروحي فلم نعد نبحث عن الحب لكننا نعيش حالاته وجماله... نتجاوز التفاصيل المتعبة بالعلاقات ونبتعد عن كل القلوب التي يمكنها ان تتعبنا وتعجز عن فهمنا لاننا لم نعد نتملك القدرة على ان نعيد شرح انفسنا للاخرين مرات ومرات فقد كبرنا....
كلما كبرنا نفهم الحياة اكثر...
نفهم ان الحب يتجاوز حدود الجسد ليستوطن بالروح وهي الاعمق والاكثر استمرارية فان احببنا بارواحنا رافقنا ذاك الحب لاخر محطات العمر... وهو كل ما نحتاجه لنكتشف حقا ماهية الحب....
كلما كبرنا نفهم كيف يمكن للحياة ان تكون قاسية... ومؤلمة.... وخالية من الامل بالغد.... وايضا كيف يمكنها ان تكون محملة بالاختلاف... والانتظار... والنسيان... والتأقلم ومحاولات البحث عن الذات في كل محطة من محطاتها...
كلما كبرنا... نتساءل كيف كبرنا...
ليس لأننا لا نتصالح مع سنوات العمر فحسب بل لأننا ندرك جيدا أن كل السنوات التي مضت لن تتكرر.. وأن ما عشناه بها أجمل محطاتنا...
لربما كانت القلوب أكثر صفاء ونقاء..
لربما كنا أكثر قدرة على حب أنفسنا والآخرين ومنحهم صدقنا واخلاصنا وقربنا وتفهمنا فلا نغادرهم بسهولة...
لربما كنا أكثر قدرة على الحلم.. وعلى التقاط السعادة.. وأن نحيا الاشياء الصغيرة بحب فنمتلك اللحظة ولا نفكر إلا بها..
تلك المحطات التي باتت اليوم خلفنا هي الحياة... وكل المحطات القادمة ستذكرنا فقط بأننا كبرنا ليس عمرا بقدر ما كبرت أرواحنا وقلوبنا ونفوسنا.. وكأن الحياة قد استنزفت قدراتنا على الحلم والتمني والاستمرار بالبحث عن السعادة... التي كان لنا بها نصيب بمحطات مضت...
تغيرنا ومن منا لم يتغير...؟
ولكن.. كلما مروا بالذاكرة وكلما استعدت أصواتهم وكلما مررت بأمكنة هم ليسوا بها وكلما أوجعني الحنين.. تذكرت بأني لم أتغير ولا زلت أحبهم... وهم أجمل محطات العمر التي رحلت..
