كتاب

«الإصلاح».. عجلة تدور

عجلة الإصلاح لدينا في الأردن لم تتوقف منذ نشأة الدولة؛ وهذه المسألة تحديداً مثار للجدل وما زالت عنوانا لمؤتمرات ولندوات سياسية وفكرية بالإضافة إلى أنها تمثل مطالبات حزبية وشعبية، والاصلاح عنوان دائم لمؤلفات ولكتب ومقالات لكبار الكتاب والمفكرين والسياسيين والاقتصاديين، ومع ذلك فهناك توافق عام بين القوى السياسية والاقتصادية والشعبية على أن الإصلاح المنشود لم يأت بعد بالشكل المطلوب وكما ترتئيه القيادة السياسية.

ورغم ذلك، إلا أن هناك توافقا عاما على أن الإصلاح المنشود يعد مقصدا وهدفا للدولة، ومن يرون أن الإصلاح مسيرة طويلة، بدأت منذ فترة وما زالت مستمرة، وأن الأمر سيحتاج سنين أخرى حتى يتم استكمال تلك المسيرة لتكلل بالفائدة. وقد يكون هناك خلاف بين طبيعة الإصلاح المنشود وحدوده، وهل تم البدء فيه فعلا أم لا، وهل هناك خطوات ضرورية يجب الأخذ بها فورا، وأخرى يمكن تأجيلها، لتمثل جزءا من الحوار السياسي العام، وزادت عليه ضغوطا في الأفكار والمشروعات السياسية والتي وضعت موضوع الإصلاح كأولوية وطنية. وفي كل من هذه الجزئيات، يمك? رصد بعض التوافق، والكثير من التباين بين المؤيدين والمعارضين لنهج الحكومات في تتبع منهج الاصلاح من جانب، وبين جموع الأحزاب الأخرى وغالبية النخبة السياسية من جانب آخر، وهو تباين مشروع في الدول الديمقراطية كالاردن وايضا هو متنوع في الموضوعات والقضايا والتحديات والفرص، وكلها تتعلق بحاضر الوطن ومستقبله.

لكن المؤسف، أن قضية سياسية مهمة بحجم الإصلاح الشامل وتشريعاته وممارساته وقوانينه ومؤسساته، مازال البعض ينظر إليها باعتبارها قضية مناورات حزبية او سياسية لا أكثر ولا أقل، متجاهلين أهمية القضية وارتباطها بمصير الوطن ككل في ظل ظروف تحمل الكثير من الحرج والخطر معا والتي لا تغيب عن بال احد.

ومثل هذه النظرة الضيقة والخطرة معا، يمكنها أن تفسر التباطؤ في تعزيز مشروع الإصلاح وتطوير الحياة السياسية، ومشروعات لقوانين تم تفريغها من مضمونها، وأخرى تم الوعد بها ولم ترَ النور بعد.

الأمر المؤكّـد أن الإصلاح المنشود وأولوياته هو جوهر التحديث الثلاثي (السياسي، الاقتصادي، الاداري) في طياته مصالح كبرى مُـدمجة بصورة ما مع تصور لحالة الوطن. على أن الإصلاح يتطلب أولاً تغيير البنية الثقافية، وتحسين العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وبتفعيل دور الشباب والمرأة والمجتمع المدني، وإعادة النظر في بعض القوانين الناظمة للعمل السياسي، وأهمّـها قوانين الانتخابات والأحزاب والممارسة السياسية والنقابات المهنية. ووفقا لهذه الرؤية، فإن الإصلاح في الاردن خطى خطوات شاملة كبيرة، فشمل إصلاح وتحسين القوانين و?لممارسات السياسية، والتعديلات في قوانين الأحزاب والانتخاب، وتعزيز الحقوق السياسية. ومن بين هذه التعديلات، تشكيل المحكمة الدستورية وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد والهيئة المستقلة للانتخاب. أما قانون الأحزاب، فالتعديلات تضمنت عددا من المواد التي تفرض شروطا مُـعيّـنة على شكل برنامج الحزب، والمتأمل في مثل هذه التعديلات، ينتهي إلى أن المطلوب مواجهة الثغرات التي ظهرت في التجربة السياسية والحزبية والعملية الانتخابية، وتحسين الأداء وتعزيز روافع الديمقراطية، وتغيير فلسفة الحكم نفسه، وأن تكون هناك مساحة أكثر اتساعاً ل?عمل الحزبي أو ضمانات أكبر وأكثر مصداقية للانتخابات البرلمانية.

وهي تمثل نهج لتحسين الوضع القائم وتغييره، وبما يوفّـر ضمان المشاركة الشعبية في مواقع المسؤولية وبالتالي فان التعديلات في الدستور والقوانين، تمثل تغييرات في الجذور وليس بالهامش كمتطلب اساسي للاصلاح ؛ فهذا يعني أن الإصلاح السياسي حقيقة موجودة ان شاء الله لا حدود له سوى المصالح العليا، وهو عملية تحديث عبر الأجيال، وتتحكم فيها عوامل وأدوات شتّـى، من تعليم وثقافة وادوات، ومؤثرات داخلية وخارجية.