كتاب

حديثٌ ذو شجون

للحديث عن الحالة المرورية عندنا شجون، وأهمية كبرى.

الوضع المروري، أولاً، مهمٌ لذاته. فنحن نتحدّث هنا عن الأمن على الطرق. حياة المواطن، سائقاً كان أم راكباً أم ماشياً، ثمينة. وكذلك حياة رجال السير ونسائه الذين يقضون معظم النهار تحت الشمس الحارقة أو في البرد القارس بهدف تنظيم المرور. وكثرٌ من يفقدون حياتهم أو يصابون إصابات بالغة، من هذه الفئات جميعها، وتلحق بهم إعاقات مؤقتة أو دائمة بسبب حوادث ومخالفات لا مبرر لها لو التزم الجميع بقواعد السير.

وصدق من قال إنّ خسائرنا على الطرقات تضاهي أو تفوق خسائرنا في الحروب.

وهو مُهمٌّ، ثانياً، لراحة الناس الذهنية والنفسية. فالأصل أن تكون قيادة المركبة متعة في الذهاب من وإلى العمل أو التسوّق أو التنزّه وغيرها من مهام يومية أساسية. فقيادة المركبة لم تعد ترفاً أو فعلاً ثانوياً، بل حاجة أساسية لجميع مستخدمي الطرقات. وذات الأمر ينطبق على المارّ في الطريق أو قاطع الشارع، أو الواقف أو الجالس بقربه. الأصل أن نستمتع ونقود المركبة أو نقطع الشارع بأريحية لا أن نكون كمن يحمل روحه على راحته.

بيد أنّه بسبب المخالفات وعدم الالتزام والاستهتار بقواعد السير، أصبح استخدام المركبة أو الطريق تجربة غير سارّة ومحفوفة بكل أنواع المخاطر، وأحياناً مرعبة. وهذا عكس ما نتمنى وننشد.

وهو مُهمٌ، ثالثاً، كمؤشر على ثقافة الفرد وثقافة المجتمع وتحضّرهما. وهذا بُعد لا يقلّ أهمية عن البُعدين الأولين، إن لم يفوقهما أهمية.

السؤال الأساسي هنا: كيف نقيس تحضّر الفرد والمجتمع، ودرجة التزامهما وتطوّرهما ورقيّهما؟

هنالك عدة مؤشرات بالطبع، وعدة وسائل للقياس، من أهمّها سلوك الناس في المركبات وعلى الطرقات.

نُسرّ كثيراً عندما يتوقف سائق مركبة أو يُبطئ بأدب وشهامة واحترام بهدف إعطاء الأولوية لسائق آخر أو لشخص أو أشخاص ينوون قطع الشارع، وننظر إلى هذا الفعل الحميد على أنه يُمثل الأدب والإيثار والرقي وغيرها من سمات ما زالت موجودة في مجتمعنا.

ونأخذُ مثلَ هذا الفعل على أنّه مقياس للأخلاق الحميدة التي تتمتع بها نسبة لا بأس بها في مجتمعنا؛ ونقول في قرارة أنفسنا إن مجتمعنا ما زال بخير، وإن التكافل والتراحم والتسامح قيمٌ مُجسّدة عندنا على أرض الواقع.

بالمقابل، عندما يسوق أحدهم بأنانية أو عنجهية أو تهوّر غير آبه بمشاعر الآخرين أو بحياتهم، وكأنّ الطريق مُلك له وكأنّه لا يعترف بالأعراف والقيم وقواعد المرور، نمتعض ونُحبط ونغضب، ونشعر بأننا دخلنا المدنيّة (الممثلة بالمدينة ومرافقها وتقنيّاتها) لكننا لم ندخل الحالة الحضارية بعد.

ويزاد هذا الشعور تعاظماً عندما ندرك أنّ فئة لا بأس بها كذلك في مجتمعنا، بكل مكوّناته ومن طوله إلى عرضه، تُمارس مثل هذه الأنماط من السلوك، وأنّ عدد من يقترفون المخالفات في تزايد، مع الأسف.

ومن هنا نتساءل: ماذا حلّ بالشّيَم والخِصال العربية الأصيلة التي نتغنّى بها؟ وأين تَحضُّرنا ورقينا؟ وأين دولة القانون؟ وأين وأين؟

لهذه الأسباب وغيرها، الحديث عن الحالة المرورية عندنا ذو شجون، وعلى أهمية كبيرة.