شباب وجامعات

الانتحار.. هروب وانسحاب ومشكلة تهدد المجتمعات

تواصل واقعة الانتحار الارتفاع حتى باتت تقترب من مفهوم الظاهرة التي تقلق المجتمعات.

ويعد الانتحار سلوكاً خطيراً ينتج عن فقدان الأمل والشعور بأن المجتمعات لم تقدم للشاب على سبيل المثال ما يتوافق واهدافهم وطموحاتهم.

واكد خبراء ومختصون ان الانتحار يعود الى عدة أسباب نفسية او اجتماعية او اقتصادية او اسباب مركبة، ودعوا الى اهمية وجود برامج تدعم المراهقين والشباب وتوجههم الى الطريق الصحيح وتزرع في نفوسهم الامل والتفاؤل.

وقال الاكاديمي والخبير الاجتماعي د.حسين الخزاعي: الانتحار هو سلوك مرفوض دينا وعقلا ولا يجوز ايذاء النفس والهروب والاستسلام واللجوء اليه مهما كانت الاسباب كما انه يعد مشكلة كبيرة وبحاجة الى حل.

وكشف أنه وفي قراءة لعدد حالات الانتحار يلحظ إزدياداً في الحالات التي بلغت عام 2011 نحو 39 حالات، لترتفع في عام 2012 الى 86 حالة ثم واصلت الارتفاع لتصل في 2013 الى 108 حالة ولتزيد عدد الحالات في عام 2021 الى 186. «هذا الارتفاع مرده اننا لم نكن نتعامل مع محاولي الانتحار بشكل صحي ولم يتم عرضهم على مختصين حتى يتم معالجتهم».

واوضح الخزاعي ان المنتحر عادة ما يعاني من مشاكل متعددة اجتماعية واقتصادية ونفسية معقدة، وتكتمل المشكلة عندما يكون من المدمنين او متعاطي المخدرات، فتولد لدى المنتحر حالات من القلق والتوتر والغضب والاكتئاب والانفصام العقلي وهذه كلها متداخلة تحرض على الانتحار.

وأشار ان المنتحر يرسل ثلاث رسائل، الرسالة الاولى الى ذاته بأنه لا يستطيع العيش مع المشكلة التي يمر بها فيلجأ الى الانتحار وهو هنا لا يعاقب نفسه بل يعتذر من نفسه بأنه سوف يلجأ الى مثل هذا الفعل.

اما الرسالة الثانية فيرسلها الى الاسرة او المحيط به بأنهم لم يستطيعوا حل مشكلته سواء الاقتصادية او الاجتماعية او الاسرية او النفسية، وهو بذلك يكون تاركا لهم العذاب والالم طوال العمر.

ويتابع اما الرسالة الثالثة فهي الى المجتمع والى الحكومة بأن الظروف الاجتماعية او الاقتصادية او النفسية التي عانى منها المنتحر لم تقم الحكومة على حلها خصوصا اذا كان من محاولي الانتحار ويعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية، بالاضافة الى عدم توافر مراكز للعلاج او تأمين صحي لعلاجه، فهي رسالة قاسية بأنه لم يستطع العيش معهم فلجأ الى الانتحار.

وشدد على اهمية التمسك بالصبر وعلى الاعتزاز بالنفس وبالقدرات وعدم ايذاء النفس وعدم الهروب من اي مشكلة بل يجب مواجهتها، و الاقتراب من الاهل وممن يثقون بهم لحل مشكلاتهم، بالاضافة الى اهمية التعامل مع هذه الدوافع ومعالجتها.

كما اكد ان الطبيب النفسي هو خط الدفاع الاول في التعامل مع محاولي الانتحار، حيث يرى انه لو كان المقدم على الانتحار لجأ للطب النفسي لربما استعاد توازنه، ولم يلجأ لمثل هذا الفعل.

ويقول الاستشاري النفسي والتربوي د.موسى مطارنة: الانتحار جريمة اخلاقية وجريمة بحق الانسانية ودينية لانها من الكبائر كما انها جريمة يعاقب عليها القانون وبالتالي لابد ان يكون هناك وسائل للحد والتخفيف من هذه المشكل.

ويشير ان المنتحر شخص يعاني فهو لا يقدم على الانتحار فجأة او بمزاج فهو فاقد القدرة على التكيف والتأقلم مع الحياة وتأزم ليصل الى هذا التفكير، كما انه انسان لديه معاناة ممكن ان تكون ناتجة عن اختلالات نفسية او اسرية او اجتماعية او ناتجة عن فراغ عاطفي او ديني او انساني، «يجب علينا عندما نشعر ان شخص يفكر بالانتحار او نطق بكلمة انتحار ان نخضعه للمتابعة لان الفكرة قد تتطور الى التنفيذ».

ويضيف: الانسان بالعادة يخاف على نفسه او يخاف من الموت، وهو يقدم على مثل هذا الفعل عندما يفقد السيطرة الذاتية والفطرية والذهنية على الاحساس بها.

ويلفت ان المنتحر لجأ الى ذلك عندما فقد الامل من المجتمع والناس فلم يجد من يسمعه ومن يسانده ويخفف عليه فيصاب في حالة من اليأس، بالاضافة الى عدم الايمان بذاته ودينه وعدم وجود هدف وعدم وجود مهارات كافية من التكيف والارادة و اذا فقد هذه الاشياء فهو انسان ضعيف، وبذلك يصل الى مرحلة من المراحل يفقد فيها القدرة على ضبط الذات.

ويبين مطارنة ان المنتحر لا يكون في وعيه فيكون جهاز الدفاع او المناعة الداخلية عنده منهاراً امام فقدان الطاقة وامام الضغط النفسي فتنهار هذه القدرة فيقدم على مثل هذا الفعل.

ويرى اهمية عرض من يشعر بالفقدان او الاحباطات او من تراوده نفسه على مثل هذا الفعل على الاستشاري النفسي والسلوكي من البدايات حتى يستطيع مساعدته ويقدر ويقيم الحالة لانقاذه من الانتحار.

الى ذلك يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، انه من الصعب القول ان هناك دراسات في الاردن اجريت لربط الانتحار في الحالة الاقتصادية لكن ما كان يعبر عنه بعض ممن اقدموا على الانتحار او حاولوا الانتحار كانت الاشارات تعود لاسباب اقتصادية او اجتماعية صعبة او متغيرة دفعت للانتحار او التفكير به.

وقال: بلغ معدل الانتحار في العالم بشكل عام 12.6 حالة لكل 100000للرجال و5.4 حالة لكل 100000 للنساء وهناك حالة انتحار كل 40 ثانية في العالم وواحد من كل 100 وفاة في العالم ناجمة بشكل او اخر عن الانتحار.

ويضيف: وفي قراءة هذه الارقام نحن نتحدث عن معدل حالة انتحار كل ثلاثة ايام تقريبا وترتفع او تنخفض وهذا معدل مرتفع قياسا بالحالة العامة في الاردن.

ويشير ان الانتحار حسب منظمة الصحة العالمية يعد سبباً للوفاة للاعمار بين 15-29 عامًا ويأتي في المرتبة الرابعة للوفاة بعد وفيات حوادث الطرق وبعد العنف بين الاشخاص.

ويرى ان هذا يستدعي ضرورة دراسة حالات الانتحار التي تحدث في زمن محدد لمعرفة اسبابها الحقيقية، «ولاشك فيه ان المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية السريعة التي يشعر بها الكثير من الشباب خاصة في العمر بين 15-29 عاما انهم يواجهونها من دون ان يمتلكوا الادوات والقدرة والامكانية على التعايش معها واحدة من الاسباب التي تسبب في التفكير بالانتحار الذي يفوق احيانا اعداد المقدمين عليه».

ويوضح عايش ان هناك عدة اسباب قد تساعد في التفكير بالانتحار او الاقدام عليه ومنها الاوضاع الاقتصادية العامة وارتفاع معدلات التضخم وغياب افق لوجود فرص عمل فعلية وسوق العمل الذي يكاد ان يكون مقفلا واكثر قربا لمهن ووظائف للعمالة الوافدة وتراجع القدرة على ضمان مهن او وظائف مستدامة على مستوى النمو والتطور فيها او على مستوى العائد منها، بالاضافة الى التفكير المستمر في الهجرة وعدم القدرة على القيام بها، بالاضافة الى الاسر التي بالكاد تستطيع ان تغطي نفقاتها الاعتيادية خصوصا ان هناك عجزا بين دخل الاسر ونفقاتها يتجاوز 1000 دينار سنويا بالمعدل.

ويلفت ان النموذج الاقتصادي الاستهلاكي الذي يدفع الكثير للشعور بالفقر او الحرمان من ما يفترض ان يكون لديهم خصوصا من الشباب مع هذا المشهد الاستهلاكي الضاغط او المتغير والمتنوع، وهذه المحاولات السريعة لدى البعض لغسل الشرائح بالانتقال من شريحة الى اخرى دون ان تتوفر الامكانيات سواء المادية او المعرفية أو التقنية او الوظيفية والمهنية في تثبيت هذا للانتقال ومن ثم الشعور انه لم يعد قادرا على ان يبقى في شريحته او ان يتعايش مع الشريحة الجديدة التي اعتقد انه انتقل اليها.

ويتابع: بالاضافة الى الشعور بالعار عندما يبلغ الشاب او الشابة عمرا يفوق العمر المتوقع منه لان يعمل او يحصل على دخل او يتزوج فإنه لا يجد معنى للحياة ويشعر ان القطار يفوته فيها وبشكل سريع، هذه العوامل تؤدي الى التفكير بالانتحار او الاقدام عليه لدى البعض خصوصا عندما يشعرون بالاضطهاد بشكل عام من المجتمع او بشكل معنوي او من خلال عدم قدرة اسرهم على تحقيق تطلعاتهم او المجتمع الذي لا يمكنه ان يوفر احتياجات الشباب في الفترة العمرية الضاغطة لبدء حياة حقيقية مستدامة.

وبرأيه، فان المجتمع بشكل عام قد يكون سببا من اسباب تفكير الشباب في الانتحار والاسرة قد تكون سببا اخر وقد تكون اكثر ضغطا في التفكير في الانتحار.

ويرى، ان الشعور الضعيف في مؤشرات السعادة التي يعبر عنها بنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي وهو يتراجع بالقيمة الحقيقية وحتى بالقيمة النقدية خصوصا اذا قورن بالسنوات الماضية متوسط العمر المتوقع للفرد خاصة في بداية حياته وهو يجلس بإنتظار وظيفة او مهنة والشعور بنقص الدعم الاجتماعي والاقتصادي والمهني والمعرفي، وحتى ان البعض لا يستطيع ان يجد التخصص العملي الذي يرغب بالدراسة فيه وايضا هناك صعوبة لدى هؤلاء الشباب في الاختيار او اما ان تكون مفقودة او معدومة وهذا يؤثر على ردود فعلهم، بالاضافة الى شعورهم ان الفساد?يأخذ حصة كبيرة من فرصهم سواء الاقتصادية او المهنية او الاجتماعية او حتى تحسين مستويات معيشتهم.

وبرأيه ان كلفة الانتحار على الجانب الاقتصادي والاجتماعي كبيرة وهي تعني ان المجتمع غير قادر على تلبية احتياجات ابنائه او انه يتغاضى عن هذه الاحتياجات والنتيجة ان الجميع يدفعون الثمن وإحد هذه الاثمان تكون اما بالهجرة او الانكفاء سلبيا.

وترى الشابة عبير عبد القادر ان بعض المقدمين على الانتحار قد يعانون من مشاكل نفسية متراكمة بغض النظر عن مستواهم التعليمي او الاجتماعي، وأن هذه المشاكل قد تسيطر على الشخص وتقوده الى الانتحار دون وعي.

ويستغرب الشاب فارس حلمي من الاشخاص الذين تراودهم انفسهم على انهاء حياتهم معللا ذلك انه لا يوجد ما يستدعي لمثل هذه السلوك رغم اي ظروف يمرون بها فالنفس البشرية «مكرمة من عند الله».

من جانبها فان الشابة ايمان محمد تؤكد ان التقرب الى الله يجنب تلك المشاعر، ولذلك فهي تنصح بزيادة الوعي الديني عن طريق النشرات الدينية التي تعطي جرعة من الرحمة والأمل وتبين عواقب مثل هذا السلوك.

وتجد الشابة سارة القرعان ان الاوضاع الاقتصادية والفقر هي من تسهل الطريق لهؤلاء على فكرة الانتحار، «يشعرون باليأس والاحباط وبالعجز عن توفير ابسط متطلباتهم المعيشية».