كتاب

الخصخصة.. حادثة العقبة تتحدث!

كم المعلومات الكبير الذي وردنا عن شركة «العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ» وكيفية ادارتها وأعداد الموظفين فيها، يكشف العديد من العيوب والتشوهات التي تعاني منها بعض المؤسسات التي تدار من قبل القطاع العام وهيئاتها مقارنة مع نظيراتها التي تدار من القطاع الخاص، الامر الذي يؤكد أننا لم نخطئ عندما ذهبنا الى «خصخصة» أجزاء من منظومة المؤانئ لدينا.

أعداد الموظفين المرعب في الميناء والذي يتجاوز اعداد العاملين في ميناء «شنغهاي الصيني» الذي يصدر بضائع الى كل العالم، يؤكد حجم الترهل الكبير ومدى تفوق وتغلغل الواسطة والمحسوبية والارضاءات في التعيينات على حساب جودة العمل وهذا ما يرفضه القطاع الخاص في ادارته للعديد من الملفات، ولعل ميناء «حاويات العقبة» الذي خصخص واستثمر من قبل شركة دنماركية لمدة 25 عاما خير شاهد على الفرق الكبير في الادارة والتنظيم والقدرة التشغيلية والتطور المستمر يوما وراء يوم حتى اصبح واجهة بحرية تؤمها غالبية شركات الملاحة العالمية.

ميناء العقبة يحوي 2370 عاملا فيما لا يحتاج من الناحية التجارية والتشغيلية لأكثر من 700- 800 عامل، وبالرغم من ذلك عجزوا عن تأمين وتغيير حبل قادر على رفع تلك الاثقال، وعجزوا عن تنظيم العمل وفق ابسط معايير السلامة العامة ليتسببوا بكارثة ادت الى وفاة 13 شخصا واصابة المئات بعد تدخل العناية الالهية في تحويل الرياح التي حملت تلك السموم الى اماكن غير مأهولة بالسكان او السياح الاجانب، وهنا نتساءل كما انتم، من عين كل هؤلاء في الميناء ولماذا؟، ومن جامل فيها حتى نخرتها البيروقراطية والترهل والاتكالية وغياب المسؤولية؟ ?هل هذه الظاهرة في الميناء فقط؟.

انا لست مع الخصخصة على الاطلاق ولست من دعاتها غير انني أصبحت من اشد المعجبين بنتائجها رغم كل الاشاعات والمعلومات الخاطئة التي احاطت بها، وما يدفعني الى المطالبة بتعميمها على كافة المؤسسات التي تدار من الحكومة وهيئاتها هو استمرار الادارة السيئة والخاطئة والمترهلة التي في كل مرة تذهب الى رهن تلك المؤسسات للواسطات والمحسوبيات والترضيات على حساب الجودة والمصلحة العامة.

الحكومة وبعد الانتهاء من التحقيق وعمليات التتبع التي قامت بها منذ وقوع الحادثة، خلصت في النهاية الى ان الترهل وغياب المسؤولية واجراءات السلامة العامة والتعيينات غير المناسبة والتي لا ترتبط بواقع عمل الميناء بشيء سوى انها افرازات للعنة الكبرى التي تلاحقنا وما كنا لنتخلص منها «الواسطة والمحسوبية»، ومن هنا ما عليها الا الاستعجال في اصدار تحديثها للمنظومة الادارية القائمة على اصلاحات حقيقية تعتمد الكفاءة في التعيينات وتذهب الى مرحلة العقاب والثواب عنوانا للمرحلة القادمة، والا سيستمر هذا المسلسل من الاخطاء الى ?ا لا نهاية.

اراهن هذه المرة على أن الحكومة وبعد ان قامت سريعا بوضع يدها على مواطن الخلل ومعالجتها بشكل سريع وازاحت المسؤولين عن الحادثة من مناصبهم، وتعيينها مديرا جديدا وبحسب من عرفوه وعملوا معه فهو لا يعلم شيئا عن الواسطة والمحسوبية وعدو للترهل، سيثبت لنا جميعا أن الادارة الحكومية للمؤسسات لا تفرق شيئا عن ادارة القطاع الخاص وليست اقل كفاءة اذا ما اديرت من مديرين يعون المسؤولية الحقيقية التي لايوجد في قاموسها أي من لعناتنا الثلاث «الواسطة والمحسوبية والترهل» فلنمنحها فرصة اثبات هذه النظرية وهذا أكثر ما نحب.