تحدثنا بأكثر من مناسبة بوجود خلل بالمنظومة التعليمية بمختلف مراحلها؛ هناك تراجع واضح بمستوى التعليم ومخرجاته بجميع مراحله وأركانه، فخلل المدخلات وخلطها قد أفرز عبثية بالمخرجات، لكننا نراهن ونقارن بتحديات تأخذ طابع الإخفاق أو الإنجاز الشخصي، نرفض الاستماع للنصيحة، فنذهب لتشكيل اللجان المفصلة بالأشخاص والأهداف والقرارات؛ سياسة أضعفت المستوى التعليمي والبحثي، بشراكة قاتلة مع تحديثات وسائل التواصل الإجتماعي التي تعلن تقدما وهميا بترتيب الجامعات الأردنية ضمن التصنيفات المعتمدة، دون جهد أو مشاركة فاعلة حقيقية؛ ن?نافس مع سَنْوِنا من الجامعات، ونقارن تقدمنا على الأضعف.
تحديات تحديث التعليم كبيرة، تبدأ بالتشخيص الدقيق والتحليل الأمين، بهدف وضع الحلول الشافية بمختلف مسمياتها، ضمن رزنامة زمنية متدرجة تأخذ في الاعتبار الظروف التعليمية بأبعادها، ضمن خصوصية مجتمعية لا يمكن تعميمها، وربما سأختار اليوم الحديث عن إمكانية تطبيق السنة التحضيرية بالقبول الجامعي، حيث استعراض سريع لتاريخها يبين أنها قد مرت بمخاضات سابقة لإقرارها ضمن اسس ومبررات لم ترقَ لمستوى الإقناع العلمي والأكاديمي والفني، ولكنها رؤية فردية لصاحب القرار، العراب الذي استطاع تمريرها عبر المجالس التي يرأسها بدون مناقش? أو معارضة، وما أن بدأ التطبيق الواقعي بالرغم من السلبيات والتحذيرات، حتى أجهضت بقرارات لنفس المجلس الكريم، لأن الرؤية تغيرت وأصبحت الشفافية حاضرة والواقعية مطلباً، قراراً أنقذ مصير مئات الطلبة والعائلات بتوقيت مفصلي، فصقنا له ونذكره بمجالسنا حتى الساعة.
ظروفنا الراهنة لا تسمح بفرض السنة التحضيرية على أي من الكليات الجامعية، بل هناك انعدام للعدالة بترك القبول الجامعي للجامعات بحرية الاختيار، فجميعنا يدرك حجم المعاناة التعليمية للطلبة بالمدارس الحكومية في المحافظات والأرياف والبادية والمخيمات، وسيكون هناك ظلم مبرمج لترك هؤلاء الطلبة يتافسون مع طلبة المدارس الخاصة والعاصمة بالذات، بسبب الفرق الشاسع بالظروف والإمكانات، ولن أبالغ القول، أن القبول الجامعي بالكليات التي تحتل مقدمة التصنيف الإجتماعي سيكون حصريا على أبناء الذوات والمدارس الخاصة في العاصمة، وهو الم?رر الأوهن بدفاع البعض عن وجود مثل تلك السياسات الجامعية بالدول المتقدمة، التي تستطيع تطبيق أسس العدالة وظروفها بالتساوي بمدارسها، وربما كاتب هذه السطور بمسيرته الدراسية، يحكي قصة واقعية لأبجديات المعاناة لطلبة الأرياف بالحصول على القبول الجامعي والمنافسة مع طلبة، توفرت لديهم كل متطلبات الراحة والتفوق، فتقدمت لامتحان التوجيهي بدون معلم للفيزياء والانجليزي.
التعليق المبرمج لمصير طالب جامعي لمدة عام كامل وما يترتب على هذه السياسة من خسارة معنوية ومادية، سيولد ردا عكسيا مجتمعيا، يفيض بمزيد من الحقد، بل أرى أن العدالة النوعية بظروفها الحالية، يجب أن تقتصر على معدل الثانوية العامة؛ ليس لأنه الأمثل ولكنه على الأقل هو الذي يعكس جزئية قريبة من الواقع في مجتمعنا، فالحجة بنضوج فكري خلال السنة التحضيرية يسمح للطالب بإختيار أفضل، إنكار لمبرر الإخفاق بالتشخيص والعلاج، وتكريس للطبقية، وحصر المقاعد الجامعية بكليات الصف الأول لفئة محددة، فالقلق الذي سيعيشه الطالب وأهله خلال?سنة عمرية، كفيل بوأد مبرمج للأمنيات والتطلعات، وحافز لتضحيات الدراسة خارج حدود الوطن بتكلفتها المادية المرتفعة، لأن الدراسة الجامعية هي البوابة الحقيقية للمستقبل للفرد، والاستثمار بتعليم الأبناء عنوان يطبق على أرض الواقع بمجتمعنا الطيب البسيط، كما أن خضوع الطالب لمنافسة متجددة بظروف غير متساوية، يقتل روح العدالة التي نطمع بتحقيقها، ومخالفة قانونية بالخضوع للفحص والتقييم مرتين لنفس الهدف.
جميعنا مطالب ويطالب بتحقيق أسس العدالة بصيغتها النظرية المجردة، شريطة توافق شروط المسابقة والمنافسة، فهناك تنافر كبير وحالة غير متناغمة عندما ينفذ هكذا توجه في ظل البيئة التعليمية الموجودة اليوم، انعدام مقاييس المقارنة، لن تسمح باختيار صحيح وتنافس عادل، والتمسمر خلف جدران السنة التحضيرية كجزء من الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، مشروع سيرحب به ويصلح للتطبيق، بعد إحداث جذري بالواقع لتساوي المدخلات، لأن استخدام المصطلحات ذات الأبعاد الوطنية يحتاج لأسس نتمناها، فالسنة التحضيرية للقبول الجامعي بواقع?ا اليوم لن توفر العدالة، وستكرس الطبقية وللحديث بقية.