تعتبر مرحلة التعليم العالي بمثابة الجسر الذي يربط قطاع التعليم بالاقتصاد الوطني، حيث ينخرط الخريجون في سوق العمل، كعقول وأيدي عاملة مدربة ومؤهلة يعتمد عليها الاقتصاد، ويعد توظيف الخريجين واستيعابهم في سوق العمل مؤشراً على كفاءة مؤسسات التعليم العالي في بناء المعارف والمهارات التي يحتاجها السوق، وفي ذات الوقت هو دلالة على قدرة السوق على توفير الوظائف الكافية للخريجين.
محليا تشير الإحصاءات إلى خلل واضح في هذه المعادلة حيث يبلغ متوسط عدد من يتخرج من الجامعات (68) الف طالب سنوياً، في حين يستحدث الاقتصاد الأردني سنوياً (30) الف فرصة عمل فقط، وفي المقابل لا توفر الجامعات المتطلبات الجديدة للسوق، ولا تتواءم برامجها مع الوظائف المتاحة محلياً وإقليمياً، الشيء الذي يتسبب في تنامي معدلات البطالة.
وقد انطلقت خطة التحديث الاقتصادي في الأردن من هذا الواقع الذي يجسد حجم مشكلة البطالة التي يواجهها المجتمع الأردني وهي بمثابة المعضلة الأكبر في طريق التنمية والتطوير، وقد شخصت الخطة واقع التعليم العالي في الأردن، حيث أشارت إلى أنَّ البرامج والخطط الدراسية ما زالت برامج تقليدية، إلى جانب عدم التركيز على الكفاءات، وسيادة التعليم بالتلقين، وضعف دمج التكنولوجيا، وتواضع التمويل، وغياب إدارة الجودة، واختلال المساواة وتكافؤ الفرص في القبول الجامعي، وتهالك المرافق، وقصور البحث والتطوير، وعدم مؤامة التخصصات الجامعية مع سوق العمل.
بهذه العبارات وصفت خطة التحديث الاقتصادي واقع التعليم العالي في الأردن، وتأمل الرؤية التي تنطلق منها الخطة إلى توفير نظام تعليم عالي سهل الوصول، ومنصف، ومستند إلى البحث، وممكن تقنياً، ومرموق، وتنافسي، ومرن، وشامل، وقادر على تزويد المجتمعين الأردني والدولي بخريجين أكفاء قادرين على التفكير الناقد، وحل المشكلات، والتعلم الدائم في بيئة آمنة وسهلة التعلم، وأن تكون اولويات العمل في المدة الزمنية المقررة لتنفيذ الخطة هي لبرامج الجودة، والبنية التحتية عالية الجودة، والروابط الصناعية وكفاءة العمالة.
ولتحقيق هذه الرؤية تقترح الخطة إصلاح القوانين واللوائح التنظيمية المتعلقة بتعيين أعضاء هيئة التدريس والموظفين، والمنح الدراسية، والتطوير المهني المستمر، والترقية، وريادة الأعمال، إضافة إلى إطلاق التعاون الاستراتيجي في القطاع، وتقييم سوق العمل من أجل التعليم العالي، وإطلاق شهادات الاعتماد المصغرة والمسارات المتعددة، وفي مجالات البحث والتطوير أشارت الخطة لوضع آليات دعم البحث العلمي وجعل التدريس مستند للبحث والإبتكار، كما أهتمت الخطة بمبدأ الاستقلال الأكاديمي والمالي والمؤسسي لمؤسسات التعليم العالي، والبدء في تنفيذ خطوات واضحة في مسار إصلاح عملية القبول في التعليم العالي، وفي ذات الوقت العمل على إيجاد موارد وإيرادات جديدة لضمان الاستدامة المالية، وحتى تتحقق خطة إصلاح قطاع التعليم العالي ترى الخطة ضرورة إصلاح إدارة التعليم العالي والمسألة فيه عن طريق تعزيز الهياكل القانونية والمؤسسية.
القراءة الناقدة لخطة التحديث الاقتصادي فيما يتعلق بقطاع التعليم العالي تؤشر لعدم تضمين الخطة العمل لتحقيق متطلبات العالمية في مؤسسات التعليم العالي والتي أصبحت واقعا في عالم اليوم، ولم تقترح جذب الطلبة والأساتذة الدوليين لتحقيق هذا الاتجاه، ولكن من باب الإنصاف والحكم الموضوعي توصف الخطة بأنها خطة طموحة وواقعية تشخص واقع التعليم العالي في الأردن، وتضع آليات ومبادرات يمكن أن تحقق الإصلاح المنشود في هذا القطاع والذي سيعمل مؤكداً على تحفيز الاقتصاد الوطني، غير أن التخوف دائماً من مدى امتلاكنا القدرة على تنفيذ محاور هذه الخطة الوطنية في الوقت المحدد.
Rsaaie.mohmed@gmail.com