التحديات المتجددة التي قلبت الأوضاع العالمية أسرتها بقالب عدم الاستقرار، لم تكن وليدة الساعة، بل المحصلة المنطقية لتراكمات الزمن لوجود مؤشرات تحذيرية لم تؤخذ بمنطق الجد، أو أهملت بقصد أو عفوية، نتيجة سياسة المصالح التي تحكمها قوانين خاصة تفتقر للعدالة أحياناً، لها أبعاد تتجاوز حدود الواقع والتوقعات، فهناك مصالح تتضارب وتحالفات تتكون دون الحد الأدنى من القواسم، حروب وصراعات في كل مكان، يصنف جزء يسير منها بحروب الوكالة عن الغير وللغير، لأسباب نجتهد بتفقيطها؛ نخطئ ونصيب، دون أدلة حسية، يغذيها الجشع والأنانية والانفصام، ولكن المحصلة اليوم بعمومية عدم الاستقرار خوفا من الغد المجهول، يحجم القدرة على تحليل الواقع حتى لا نعيش بين جدران الأمل دون ذخيرة ورصيد يؤهلنا.
الأردن هو جزء من هذا العالم، يتأثر بأحداثه ويؤثر بمساره، خصوصا لظروفنا الإقتصادية الصعبة، والأعباء التي ننفذها كدولة محورية تمثل الرقم الصعب في المنطقة، باعتبارها أحد محاور دول القرار؛ نتيجة منطقية لسياسة الإعتدال التي تتجرد من العنف والأنانية، يصعب علينا تحديد جدولة هذه التحديات أو برمجة أهميتها، لكن المنطق يفرض لملفات الأمن الغذائي والزراعي، التعليم والتربية، الصحة والبيئة، المياه والطاقة، والإدارة، يغلفها سياج واستقرار الأمن والأمان الذي ننعم به، وهي أولوية كوحدة واحدة غير قابلة للتجزئة، ويقيني أن جميعنا على علم وإطلاع على محتوى هذه الملفات الوطنية، التي تتطلب مساهمة فردية من كل منا للنهوض بها؛ واقع يجعلنا نتحرر من التفكير السائد، أن هذه الأساسيات هي مهمة حصرية بالدولة يجب توفيرها مجانا بشعارات ومبررات وأعذار، انتهت صلاحيتها، وأصبحت أمانة في متحف التاريخ.
الظروف الصعبة والتضخم الذي نعاني منه واقع لن ننكرره، ويصنف بمساحة المنطق كجزء من هذا العالم نتيجة الأنانية التي سيطرت على صانعي القرار الدولي، لأننا نعتمد بمساحة كبيرة من حياتنا على المستوردات بعد هجرة طوعية ببعض مفاصلها من درجات الإكتفاء الذاتي، وهو مستورد نتيجة ارتفاع الأسعار لجميع مدخلات الانتاج والاستهلاك، فالبركان الغذائي الممزوج ببركان الطاقة والمياه، والذي خلط أصناف السلع العالمية من دولها المصدرة، نثر غباره المؤثر في جميع بقاع العالم، بالتوازي مع ارتفاع أجور النقل والشحن والتأمين بمنطق الجشع والمغامرة، وهي ظروف ساهمت بهذا التضخم العالمي، نتيجة ارتفاع رقعة الحروب وأسهم انعدام العدالة التي تمزق الأوصال، وتصنع الكراهية، دون إدراك بأن للعمر حدودا، ويكفي أن نتذكر أن الأردن بلد زراعي، يحتل مركز القلب في منطقة الشرق الأوسط، تضاريسه الطبيعية تمنحه ميزة فريدة بجعله سلة الغذاء للمنطقة، ويحتاج منا لمزيد من الجهد بتحويل الشعارات لعمل جماعي جدي، فركوب قطار عالم التواصل الإجتماعي بمختلف فروعه ومستجداته في طبقاته السطحية، قد أحرف البوصلة عن الطريق الصحيح، نتيجة التوالد غير المنطقي للمحللين والخبراء في كل المجالات، تحت فاصل حرية الرأي والتفكير، على أن ندرك بواقع جديد متجدد لمواصلة السير في نهج الإصلاح السياسي والاقتصادي والتعليمي والغذائي والمائي الذي أصبح اليوم ضرورة حتمية، بل هو القاعدة الأساس للمستقبل، وحبذا لو تكرم الإعلام بوسائله المختلفة بتحمل مسؤوليته كسلطة رابعة، ضمن خطوط وطنية وأهمها تحجيم تبني التصريحات التي يطلقها المسؤولون، فنحن بحاجة لثورة نفض فكري وإداري بحجم الوطن الذي يحتضننا ونعيش فوق ترابه بحرية وأمان، على أن أفرد مساحة القادة للمرور على سيمفونية الانتماء التي تبدأ بالمنزل الصغير وأسس التربية، التحرر من أوهام العيب، وللحديث بقية.