كان من حسنات جائحة كورونا أنها ساهمت بطريقة غير مباشرة، في ترشيد بعض السلوكات الاجتماعية، خاصة في مناسبات العزاء والافراح، واختصار المشاركة فيها على المقربين فقط، ووقف المصافحات والتقبيل، ولذلك أيضاً فوائد صحية، وأنا شخصياً أحاول ما استطعت الحفاظ على هذا النهج، وبضمنه الحرص على ارتداء الكمامة حتى بعد أن قررت الحكومة وقف الزامية ارتدائها، بعد أن «نشف فيروس كورونا ومات»! وعندما توفيت والدتي المرحومة تمام بندر الربيع في 21 كانون الأول الماضي نتيجة أصابتها بفيروس كورونا، اختصرنا العزاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحضور ضيق من أقارب الدرجة الأولى وكنت أدعو لعدم المصافحة والتقبيل.
ورغم ما ترسخ في عاداتنا من سلوكات ومفاهيم اجتماعية، تعبر عن الشوق والمحبة من خلال المصافحة الحارة والتقبيل بالأحضان، لكن ذلك ليس بالضرورة يعكس صدق العواطف والمشاعر، بل أزعم أن نسبة كبيرة من هذه السلوكات تندرج ضمن النفاق اجتماعي!.
وخلال الأسبوعين الماضيين توفي العديد من الأقارب والأصدقاء، ولاحظت بأسف أن بيوت العزاء عادت إلى ما قبل زمن كورونا وربما أكثر، فتشهد دواوين وخيم العزاء حضوراً كثيفاً ومصافحة وتقبيل، وإقامة ولائم الطعام، وبعض القادمين من مناطق بعيدة يبيتون عند أهل المتوفي/ة، وأنا شخصياً التزمت إلى حد كبير بعدم المصافحة والتقبيل وحافظت على ارتداء الكمامة.
الحضور إلى بيوت العزاء أصبح مكلفا بالنسبة، لمن يسافرون من مناطق خارج منطقة العزاء، في ضوء قرار الحكومة الأخير رفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة غير مسبوقة وما ينتظرنا من رفعات قادمة.. وطالما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة سهلة ومتاحة للجميع للترحم على الموتى، والتعبير عن المواساة لذويهم واختصرت الكثير من العناء، ووفرت النفقات التي كانت تدفع لنشر إعلانات النعي في الصحف، فهذه فرصة لاستثمار هذه المنصات لترشيد السلوكات السلبية.
وضمن مظاهر التفاخر الاجتماعي، ما زلنا نشهد مواكب طويلة من الناس تشارك في جاهة لخطبة عروس بكلفة مالية مرتفعة، وتلقى خلال الحفل خطابات عصماء، من قبل شخص يمثل الجاهة ويطلب يد العروس للعريس، ويرد عليه آخر يمثل أهل العروس بالموافقة، رغم أن عائلتي العروسين يكونوا متفقين على كل التفاصيل، وبالمقابل هناك نماذج مختلفة لخطبة عرايس بجاهة محدودة العدد وبكلفة أقل بكثير، وبروح عالية من المحبة والانسجام بعيداً عن النفاق الاجتماعي.
وهذه دعوة لترشيد هذا السلوك في حالات العزاء والفرح، رغم تفهمي لدوافع روح التضامن مع أهل المتوفى، أو المشاركة في فرحة الخطبة والزفاف.
وأعتقد أن الحزن والمواساة بالقلب، وأصبحت تكفي من خلال الاتصالات الهاتفية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. ولا داعي لقطع مسافات بعيدة للسلام على أهل الميت لقول: «عظم الله أجركم».
theban100@gmail.com