تفشي بعض المظاهر الاجتماعية التي تعتمد على اقتناص السلبيات لفرض وجودها وتعميمها أو محاولة تأسيس قاعدة إعلامية بمصداقية نازفة وذات سبق أو ضجيج، أصبح أمراً مؤسفاً لانعدام الضوابط الذاتية أو القانونية التي تستند لضعف الذاكرة والمتابعة، يحتاج لمعالجة جذرية عندما يتعلق الأمر بسمعة وطن أو مؤسسة وطنية تمثل واجهة حضارية، حيث ترك الإعلام هموم الوطن ليتصدر ببرامجه معركة اجتماعية جانبية لا ندرك توقيتها، وربما هناك مواسم لمثل هذه الممارسات التي تجعل محتواها حديثاً للصالونات السياسية بسبب احتوائها على فقرة مهمة تتمثل ب?غتيال الشخصية للبعض، ومناسبة الحديث، البلبلة التي تصدرت نشاطات وسائل التواصل الاجتماعي بقضية التحرش الجنسي بإحدى الجامعات الحكومية، فبدت ردود الأفعال المزلزلة والمدمرة، قبل ثبوت محتوى القصة والحكاية، بل اعتماداً على أقوال وشهادات لم تتحقق الجامعة المعنية من مصداقيتها، فاستخدمنا بدون رأفة أو رحمة وسيلة جلد الذات لتشويه صورة التعليم وكأن حادثة فردية على فرض ثبوتها، تعكس الواقع الجامعي والسمعة الجامعية لوطننا الذي يتصدر المنطقة والإقليم، ودون ان نفكر بآثارها السلبية لو ثبت فبركة معطياتها.
لا أدافع عن الجامعة أو الحادثة، بل سأكون سيفاً قاتلاً لمعاقبة المذنب إن ثبت الأمر، ولكن إصدار الأحكام جزافاً بهذه الطريقة، قبل نتائج التحقيق وقبل الحكم القضائي، يعتبر شكلاً من أشكال جلد الذات التي تسيء للجامعة/ للجامعات والتعليم والوطن، لأن ذلك وعلى فرض الثبوت، هو سلوك فردي يعكس نمطاً تربوياً وعائلياً لصاحبه، يمنع تعميمه أو محاولة تضخيم الأمر، وكأن مشاكل التعليم العالي قد شُخصت بهذا الأمر، تمهيدا لمقصلة الحلول، وكنت أتمنى من الغيورين على مصلحة الوطن التأني بدلا من ركوب منطاد التشهير، لأننا نحاول تسويق الأر?ن كبلد جاذب للدراسة بمختلف مستوياتها، وحتى المدرسية منها، بسبب المستوى المتقدم والمنافس، الذي لا يجب أبداً أن ينفض غيمته سلوك فردي شاءت الظروف أن يكون مدرساً جامعياً على فرض الثبوت، فقد يكون هذا المدرس ضحية لمؤامرة لا نعرف أبعادها وظروفها، بل أريد التذكير أن مثل التهمة هي سلاح يستخدمه البعض للتهديد بمختلف المؤسسات وكلنا معرضون لهذا الابتزاز، والذي يترك أثراً دامغا حتى بعد ثبوت براءة الضحية.
هناك التباس ينطلي على البعض بين تبني الحقيقة والدفاع عنها، وجلد الذات بصورتها الشخصية أو المعنوية، التي تثمر صعوبات وويلات مجتمعية، بظروفنا الحالية التي لا نحسد عليها، فالخط الفاصل بين مفهوم جلد الذات والرقابة الذاتية يحتاج لحكمة لتوضيح حدوده لخلط عفوي أو مبرمج، خلط جعل من المصطلحين بنفس المعنى والنتيجة، تمنح المستخدم من تسليط الإنسان على نفسه، سياط عذاب ذاتية تحت اسم التقويم، بينما يتخطى السلوك الذاتي سلم التقويم متجاوزه إلى الإيذاء الذي يتخذ أشكالاً مختلفة ما بين جسدي ونفسي وعائلي ومعنوي ومؤسسي ووطني، وه?ا يستدعي الوعي والتمييزَ لمعرفة ما هو صحيح وما هو غير صحيح، فالنفسُ البشرية وإن كانت ملكاً لنا، فهي بحاجةٍ إلى حفظ وتنميةِ وتطوير، لتعطي وتزهر في احتواءٍ نفسيٍ رزينٍ ومتوازن، لن يكون هدفا أو سببا لاغتيال شخصية أو إساءة مبرمجة، بل نريد أسسا لحماية الحقوق في عصر الإنفتاح والمساواة، بحزم اتجاه الذات لضبط السلوك وإعداداتها.
استغلال حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصوير الحادثة إن ثبتت فقراتها بأنها جريمة من الكبائر، لن يمنحنا مناعة أو رصيداً مستقبلياً، ولن يشكل سبقاً جاذباً للاستثمار، وربما العشرات من مثل هذه الحوادث تسجل يومياً أو شهرياً أو سنوياً بجميع المؤسسات والدول حتى المتقدمة منها، ولكن يجب حصر معالجتها ضمن القوانين الناظمة للمؤسسات المعنية، دون تدوينها على أنها سبق وسلوك وطني، لأن الوطن اليوم بحاجة ماسة لتوظيف الغيرة والانتماء والمحافظة على السمعة التي جعلته يتقدم ركب الحضارة لمستقبل يليق، وكفانا جلداً بالذ?ت والتطوير بأسس اغتيال الشخصيات، فهذا شكل من أشكال الإفلاس، وجده البعض متنفساً لفرعنة سلوكه وللحديث بقية.