«الرأي».. امبراطورة الصحف الورقية على المستوى الوطني والإقليمي، سياستها الثابتة المبنية على المبادئ للمحافظة على رسالته الوطنية والعروبية، قد منحتها الثقة المطلقة، لأنها لم تكن يوماً بموقف مساومة أو تنازل أو انحراف مهني، بالرغم من وابل الهجمات التي حاصرتها، المحاولات التي ناضلت لالتهامها، وبقيت الوفية المنحازة للوطن، الناقل الوطني لهموم الناس، تلامس حياتهم وتنقل معاناتهم، تبحث عن الحلول بالكلمة الصادقة المتزنة، بدون مساومات أو استرضاء لأحد، تركها البعض القريب وحيدة تناطح أعاصير الغرق، فُرضت عليها إدارات غير حرفي? أسقطت بـ"منطادات»، تصرفت بالفزعة لتدخلها بأتون الديون التي التهمت دخلها وهو الأعلى بين مثيلاتها، ولكنها «الرأي»، الصحيفة الوطنية، ذات العهد والهدف، لن تنهار ولن تتوقف مسيرة عطائها، لأننا الأوفياء لها، فقد أعطتنا من ثمارها، بل منحت الوطن قائمة طويلة من أصحاب القرار والسياسات من أبنائها الذين يرضعون الإخلاص ويقسمون على التضحية، بمسيرة متجددة، تعاصر الحاضر، تحافظ على الإرث، وتتطلع للمستقبل الزاهر.
حكايتي مع «الرأي»، توثق مسيرتي منذ أيام المدرسة الإعدادية في الحصن بمنتصف سبعينات القرن الماضي حتى الحاضر، بدأت أولى محاولاتي لتنمية مهاراتي، وفتحت «الرأي» أبوابها لتعطيني الفرصة وتجسد الأمل، لأنها المتحف الذي يحتضن تاريخ هذا الوطن ويبوب أحداثه، لتنشأ علاقة ودية وعشق طاهر بين قراءة يومية بدرجة الإدمان لمحتوياتها التي تختصر فصول الواقع، تعلمت منها أبجديات الكتابة والنشر، فكانت سببا مباشرا لعشق اللغة العربية، فألزمتني بتهذيب الكلمات والمعاني، سلامة النطق والاختيار، الحرص على المعرفة واليقين، القراءة والحرص فالرأي الكبيرة تح?ضن الكبار، تتنافس بشرف مع كبريات الصحف العربية مثل الأهرام المصرية والسياسة الكويتية، والنهار اللبنانية وغيرها.
لـ«الرأي» رونقها الخاص عبر مسيرتها، فقد حافظت على رسالتها المهنية، وأعطت للكلمة والحرف تركيبات لغوية تناسب المعنى والهدف، استطاعت أن تؤرشف الماضي والحاضر لمستقبل يحمل في سطوره حرصاً مهنياً، لن يخضع للتحريف أو التعديل تحت المسميات، فثمار «الرأي» الوطنية، تتعدى نقل الحدث والخبر، بل أقسمت بأن تنضج على أغصانها قامات مهنية ذات مستقبل وشأن، ترضعها أصول الاحتراف، تتدرج معها على أبجديات الكتابة والتحرير والالتزام، لتكون السيف الوطني القاطع والجاهز لنحر الأكاذيب بإعلان الحقيقة، وقد كنت الشاهد على فلترة مقالاتها وأخبارها بين القبول والرفض والتعديل، حتى لا يخدش شعار المصداقية، أو نقل خبر مصدره على ذمة الراوي من منطلق «علمت»، بل هناك سياسة السبق والتوثيق بثوب الحقيقة التي منحتها هذا العشق.
تعرضت «الرأي» عبر مسيرتها الحاضرة لمضايقات غير مبررة، جعلتها في وضع مادي لا تحسد عليه، ويقيني أنها اليوم بحاجة لمساعدة حكومية مادية سريعة تمهيداً لإعادة جدولة أولوياتها وإصلاحاتها، لنشلها من مستنقع تشكل بقرارات لم تكن «الرأي» ممثلة بهيئة تحريرها طرفاً فيها، ولكنه التحدي الذي يهدف أساساً لتوكيد متانة جسر الثقة الذي يربطها مع الوطن، فمحاولات البعض لتشويه العلاقة فاشلة.
اعتقاد البعض أن الثورة التكنولوجية بعالم الإعلام، التوالد المفرط بوسائل التواصل الاجتماعي بمجانيته المشكوك فيها، الحرية غير المقيدة للأفراد بالكتابة والنقد، جميعها تحاصر الدور المهني للصحف الورقية و«الرأي» في الأردن واحدة منها، ولكنني أعتقد أن هذه النظرية عاجزة وعرجاء، لأن مصداقية الصحف الورقية تحت مجهر الحقيقة ولا تعكس رأي أفراد، ومساحتها لا تسمح بعرض بطولات وهمية انتحر شهودها أو رحلوا، وربما اعتماد «الرأي» كصحيفة تهتم وتركز على أمور الدولة الأردنية، جعلها الأيقونة التي تحتضن العظماء، بمكانة يتمناها الجميع، وإضاءة شمعة جديدة على الدرب، يمنحها الأمل بغد أفضل نتمناه جميعاً، وللحديث بقية.