كتاب

حراك سياسي واقتصادي يرسخ محورية الأردن

سياسة التشبيك الاقتصادي الملكية، والتي دأب جلالته على متابعتها من الاتفاقيات والتفاهمات الإقليمية والعربية، وكنت قد نوهت لها منذ عام وتجلى ذلك بين العراق والاردن ومصر ولاحقا الامارات العربية قد جعلت الاتفاق التكاملي بينها جاد ويحظى بأهمية قصوى، وذلك من خلال المباشرة بالاعداد لخارطة طريق برزت خلال لقاء وزراء الصناعة والتجارة للدول الثلاث مقرونة بخطة زمنية للتنفيذ، والأهم هنا هو ربط هذه الخطة بمعاير قياس مؤشر الاداء وحوكمة الشراكة الصناعية التكاملية في قطاعات مختلفة، أهمها القطاع الصناعي والزراعي مسنودة بتمويل صندوق خاص، وإشراك القطاع الخاص في كل المشاريع التكاملية بين الدول الثلاث والخطط المستقبلية.

من جانب آخر عقد الاتحاد الاروبي اجتماع الشراكة الاوربي هنا في الأردن، ولأول مرة يعقد خارج بروكسل، وذلك لمحورية الأردن الاقتصادية والسياسية، وقد برزت مذكرة تفاهم مع الاتحاد الاوربي كاولوية للشراكة لمدة خمس سنوات من خلال منصة خاصة للاستثمار بقيمة مليارين ونصف المليار يورو بإطلاق صندوق اقتصادي أولى أولوياته دعم الأردن في قطاعي الطاقة والمياه.. وقد تم اعطاء الأردن أهمية خاصة ومحورية في الإقليم، وتعهد واضح لا لبس فيه بأن أزمة الطاقة والمياه وهي ازمة تصاعدية ومزمنة ستكون على راس هذه الشراكة.

من جهة اخرى هناك دعم أميركي غير متحفظ، وقد أبقى الأردن خارج الاقتطاعات المالية التي اقرتها الولايات المتحدة في المساعدات الخارجية، فالاردن هو الدولة الوحيدة التي حصلت على المساعدات الأميركية كاملة دون اقتطاع إثر الأزمة الأوكرانية.

هذا التحرك من قبل الدولة الأردنية وحكومتها تجاه البحث عن الحلول الأنجع للنهوض بالاقتصاد الوطني هو جهد مشكور، وننوه هنا إلى «الكاريزما» التي يتمتع بها جلالة الملك والذي أسند وساهم بشكل فعال في تحقيق هذه الابعاد الاقتصادية، فالتشبيك والتشابك الاقتصادي في الإقليم، وبين الدول العربية هو الحل الأمثل للوقوف ضد أي ازمات دولية تنعكس نتائجها عن المنطقة، وقد أثبتت تجربة كورونا والأزمة الأوكرانية أن التكامل البيني بين الدول يحصن أمنها الاستراتيجي، وخاصة فيما يخص الغذاء والدواء والطاقة والمياه، لذلك نثمن هذا الجهد الحكومي والمسنود مرجعياً، ويبعث برسالة لكل من يوحي إلى جمود الملفات.

فإن كل ما تقدم يعيد التذكير بمحورية الأردن كلاعب للامن والاستقرار الاقتصادي والسياسي ومحور لا يمكن تجاوزه في المنطقة.

أما في جانب الحراك السياسي فقد كانت كلمة وزير الخارجية أيمن الصفدي في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن حول القدس استثنائية بكل الأبعاد، فقد أوضح الرجل أن الانتهاكات الصهيونية ضد مدينة القدس ومحاولة ترسيخ التقسيم الزماني والمكاني يشكل استفزازاً لمشاعر نحو مليار مسلم، وأن على الكيان الصهيوني بصفته القوة القائمة على الاحتلال أن يتحمل مسؤولية الوضع القانوني والتاريخي القائم بالقدس مدينة السلام، وأن قرار مجلس الأمن رقم 478 لعام 1981 يوضح دون ريب أن لا سلطة للمحاكم الصهيونية في القدس المحتلة.

إن إعادة انتزاع محورية الأردن سياسياً واقتصادياً في ظل الأزمات الدولية المتلاحقة يعتبر إنجازاً استثنائياً ويبشر بمستقبل واعد، ونحن في انتظار النتائج التي خلصت إليها ورشة العمل الاقتصادية (الانتقال نحو المستقبل) وستُعلن أمام جلالة الملك اليوم.

كلي ثقة أن الجهد الذي قدم في «الورشة» على مدار ثلاثة أشهر فائتة، هو جهد استثنائي سيكون بتكامله مع منظومة الإصلاح السياسي رافعة حقيقة للنهوض بمسيرتنا الإصلاحية وثورتنا البيضاء، وهو ما يجعل الأردن نموذجاً يحتذى إذا ما تُرجمت معايير القياس الملكية على أرض الواقع، وهو الطموح الأسمى لكل أردني وأردنية.

فتفاؤل النصف الملآن من الكاس هو المحفز الحقيقي للعمل الجاد من خلال المشاركة الكلية، وخاصة موقعنا الجيوسياسي الذي يجعلنا عرضة للتجاذبات الاقليمية والدولية، والتي تستهدف أمن الطاقة والغذاء على مستوى العالم، وهو ما يتطلب توازنا في المطالب وإدارة حكومية رشيدة شفافة.