دراسات وتحقيقات

ماذا يعني ظهور جدري القرود في العالم؟

انشغل العالم بفيروس جدري القرود، الذي ظهر في 11 دولة الفيروس غير متوطن فيها، وهذا هو الأمر اللافت.

فجدري القرود مرض نادر يحدث أساسا في المناطق النائية من وسط أفريقيا وغربها بالقرب من الغابات الاستوائية الماطرة، ولكن موجة الحالات الحالية ظهرت في بلدان مثل أستراليا وبلجيكا وكندا والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، وغيرها.

أثار هذا الفيروس مخاوف من أن يؤدي إلى جائحة جديدة، خاصة أن العالم لم يلتقط أنفاسه من جائحة كورونا بعد، وهو الآن يعيش أزمة اقتصادية، وملامح أزمة غذاء في ظل حرب روسيا على أوكرانيا.

ماذا يعني ظهور جدري القرود في العالم؟ الجواب مكون من عدة أجزاء، الجزء الأول هو أن السؤال خاطئ بصيغته اصلا، فجدري القرود لم يظهر اليوم، بل هو فيروس معروف منذ القرن الماضي.

إذ كُشِف لأول مرّة عن جدري القرود بين البشر في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية -وفقا لمنظمة الصحة العالمية- لدى صبي عمره 9 سنوات، ولاحقا حدثت معظم الحالات في المناطق الريفية من الغابات الماطرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وخصوصاً في الكونغو التي حدثت فيها فاشية كبرى للمرض في عامي 1996 و1997.

وفي عام 2003 سجلت حالات من جدري القرود في المنطقة الغربية الوسطى من الولايات المتحدة الأميركية. وفي 2005 حدثت فاشية لجدري القرود في ولاية الوحدة بالسودان. وفي 2016 حدثت فاشية بجمهورية أفريقيا الوسطى.. فالمرض ليس جديداً.

والواقع أن الأمراض وفاشياتها مع الإنسان منذ فجر التاريخ، والإنسان لم يتمكن من التعامل معها وتحجيمها إلا خلال السنوات المئة الماضية، مع التقدم الطبي في اللقاحات والعلاجات، ولنتذكر أن عدد سكان الكوكب كان حوالي مليار عام 1800، وهو اليوم حوالي 8 مليارات. كل ذلك نتيجة تقدم الطب.

هذا التقدم جزء منه هو التطور في التشخيص السريع وتتبع الأمراض، وقبل مئتي سنة كلن الفيروس يظهر ويقتل الآلاف وأكثر دون أن يعرف عنه احد.

أما اليوم فالعلماء قادرون على تتبع الحالات بكل دقة، ومعنى هذا أننا سنكتشف كل حالة، وهذا في الواقع يجب أن يكون مصدر شعور بالأمان. فأن تعرف عدوك خير من أن تجهله وهو يتسلل إلى ديارك.

الجزء الثاني

من الجواب حول سؤال » ماذا يعني ظهور جدري القرود في العالم؟» هو أنه لا يعني شيئا يدعو للقلق، وجميع المعطيات الموجودة حتى الآن مطمئنة.

فوفق الأدلة والمؤشرات المتوافرة لا توجد أدلة على أن فيروس جدري القرود قد تحور، وذلك وفقا لما صرحت روزاموند لويس مديرة إدارة الجدري ببرنامج الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية الاثنين، التي قالت إن المنظمة ليس لديها دليل على أن فيروس جدري القرود قد تحور، وأشارت إلى أن المرض المتوطن في غرب ووسط أفريقيا لم يتغير.

وبالتالي فإنه لا خوف من أن يكون أمامنا فيروس أكثر شراسة أو تسببا في المرض أو المضاعفات.

ختاماً، فإن قدرة فيروس جدري القرود على الانتقال أقل بكثير من كورونا، لذلك لا نتوقع أن يتحول إلى وباء مثل كورونا.

العلم لا يكذب، والمعطيات العلمية حتى اللحظة تدعونا للاطمئنان، ولعل هذا العام يكون «عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون».