تزداد التحديات وتتشابك أمام الجامعات ومؤسسات التعليم في مواجهة مستجدات تضرب بقوة في خاصرة الثقافة والهوية الوطنية، مستجدات تعمق استلاب الشباب والجيل من واقعهم، وترهنهم لسياسات تغّيب فكرهم ووجدانهم، وتجعلهم في تيه وأفق مسدود، وتأتي معظم هذه المستجدات بفعل تكنولوجيا الاتصال وأدواتها الجديدة وما نجم عنها من تبعات أنتجت حركة العولمة التي تنتشر في تفاصيل حياة البشر في كل بقاع الأرض.
تكتسب مرحلة الشباب أهمية بالغة قياسا إلى باقي المراحل الزمنية من عمر الأفراد، حيث تنضج فيها القدرات ويكتمل الإعداد لمواجهة مرحلة العمل والإنتاج، يقف الشباب في هذه المرحلة على ناصية المستقبل، وعلى أول مسارات الحياة المنتجة الفاعلة، ممتلئين بالطاقة والحيوية، تحركهم دوافع تحتشد بفعل السمات النمائية لهم، غير أنه وفي الوقت الذي يقع الشباب تحت التأثير الناجم عن التدفق الهائل لمحتوى الأدوات والتكنولوجيا الجديدة، تتضاعف أزمتهم مع ما يشهدون من انحصار لفرص العمل والوظائف، وزيادة متطلبات الحياة وصعوبة تأمينها.
وهذا ما يضع الجامعات أمام مسؤولياتها في رعاية الشباب وإكسابهم متطلبات حمايتهم من كل المؤثرات التي تتحين الفرص لإضعافهم والنيل من عزائمهم، لذلك تبادر الجامعات لوضع الخطط والبرامج التي توجه نحو تشكيل وجدان الشباب وتعمل على بناء منظومة القيم الأخلاقية لديهم، وتعمل على تحقيق اتزانهم النفسي، وتبني لديهم مهارات التفكير الإيجابي، وتوسع لديهم دوائر الأمل والتفاؤل بمستقبل أجمل.
في الأردن يتوافر لدينا امتياز يتأتى من أن معظم الشباب الأردني يمر بمرحلة التعليم الجامعي ويخضع خلالها لبرامج الجامعات وخططها للتأهيل وبناء شخصياتهم، غير أن الجامعات وتحت ضغط ضعف التمويل قد لا تستطيع إلحاق جميع الطلبة بالأنشطة والفعاليات التي تطور قدراتهم ومهاراتهم وتشكل مشاعرهم وانفعالاتهم، كما يغيب عن بعض الإدارات الجامعية أن مهمة الجامعات ليست مقصورة على تعلم المعارف فقط بل يتوجب الاهتمام بتعليم الشباب المهارات والقيم والاتجاهات المناسبة والضرورية، وفي ذات السياق قد لا يدرك بعض المدرسين في الجامعات أن أح? أهم مسارات تأهيل شخصيات الشباب وبناء قدراتهم يتحقق من خلال تعليم المساقات وفق استراتيجيات التدريس التي تستهدف النمو المتكامل للطلبة، من خلال إشراكهم في أنشطة التعلم، وتعيين مهام وأنشطة تبني لديهم المهارات الاجتماعية والتعلم الذاتي.
الأدوار الجديدة للجامعات تفرض تحولات عميقة في البرامج والخطط والأنشطة التي تستهدف الطلبة وتوظف علاقتها مع المجتمعات المحيطة ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بأدوار الجامعات لتعزيز الريادة والابتكار ومهارات القرن الواحد والعشرين، وتوظيف الأدوات الجديدة لخدمة تأهيل الشباب وتمكينهم.
لذلك من المؤمل أن يتم توحيد الخطط والجهود التي تبذلها وزارات الشباب والثقافة والعمل ومؤسسات المجتمع المعنية برعاية الشباب مع خطط وبرامج الجامعات في هذا الصدد، أو أن تضع الحكومة خطة وطنية موجهة للشباب يكون ميدان تنفيذها جامعاتنا الوطنية، وتستثمر الطاقات والكفاءات التي تزخر بها من أكاديميين وخبراء تعطلت الفائدة المرجوة منهم في هذا السياق.
Rsaaie.mohmed@gmail.com