لا يزال قانون الدفاع ساري المفعول على الرغم من عودة الحياة إلى طبيعتها، والانتهاء شبه الكامل من القيود والضوابط التي جرى فرضها للتعامل مع جائحة كورونا. فهذا القانون الذي يجد أساسه في المادة (124) من الدستور يعطي الحق لرئيس الوزراء باتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية للتعامل مع أي حالة طوارئ، وذلك من خلال إصدار أوامر دفاع توقف العمل بالقوانين العادية.
وبعد مرور أكثر من سنتين على تفعيل العمل بقانون الدفاع، فقد اتسع نطاق تطبيقه ليشمل معظم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى القضائية منها، وهو الأمر الذي سيجعل التبعات المترتبة على وقف العمل به جسيمة. فهناك أوامر دفاع قد صدرت للتخفيف من الآثار التي خلفتها جائحة كورونا على الأنشطة التجارية والمالية تتمثل بوقف العمل بالقواعد القانونية الناظمة لإنهاء عقود العمل في القطاع الخاص، بالإضافة إلى وقف العمل بالنصوص القانونية ذات الصلة بحبس المدين، وتلك التي تجرم إصدار شيك لا يقابله رصيد في قانون العقوبات.
واليوم تزداد الضغوط السياسية والشعبية على الحكومة لإصدار القرار بوقف العمل بقانون الدفاع، وذلك لانتفاء الغاية منه. فالأرقام والإحصائيات المتعلقة بنسب الإصابة والإشغالات في المستشفيات في حدها الأدنى. وعلى ما يبدو أن الحكومة قد بدأت تتجاوب مع هذه المطالب المشروعة، إلا أنها تدرك خطورة وقف العمل بقانون الدفاع بشكل فوري ومباشر، كونه سيترتب على هذا القرار اعتبار جميع أوامر الدفاع والبلاغات الصادرة بمقتضاها ملغاة حكما.
لهذا، فإن الدلائل تشير إلى أن الحكومة تتجه نحو التدرج في الخطوات نحو إعلان وقف العمل بقانون الدفاع. فقد أصدر رئيس الوزراء قبل أيام البلاغ رقم (56) لسنة 2022 الصادر بالاستناد لأمر الدفاع رقم 6 لسنة 2020، ومفاده عدم سريان الأحكام المتعلقة بإنهاء عقود العمل أو تجديدها تلقائيا على العاملين المعينين بعد نفاذه في القطاع الخاص.
فبموجب هذا البلاغ، أصبح هناك تمييز بين عقود العمل التي أبرمت قبل صدور أمر الدفاع رقم (6) بتاريخ 8 نيسان 2020 التي لا تزال مشمولة بالقيد على عدم جواز إنهائها، وتلك التي جرى توقيعها بعد ذلك التاريخ، والتي أصبحت خاضعة لأحكام المادة (21) بفقرتيها (أ) و(ب) والمادة (23) من قانون العمل، وذلك من حيث جواز إنهائها وعدم تجديدها في حال تحقق أي من الحالات الواردة في القانون.
ومن الإشارات الأخرى على أن وقف العمل بقانون الدفاع سيكون تدريجيا، أن الحكومة قد أقرت نصوصا معدلة في قانون التنفيذ من شأنها أن تحد من حالات حبس المدين، وتوسع من الاستثناءات على تطبيقه ليشمل الديون بين الأصول والفروع، وتلك التي تقل قيمتها عن خمسة آلاف دينار. كما أقرت الحكومة قانونا معدلا لقانون العقوبات يتضمن وقف تجريم الشيكات بعد مرور ثلاث سنوات من نفاذ القانون، وتوسيع تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية وتسهيل إجراءاتها، بالإضافة إلى منح صلاحيات أكبر لقاضي الموضوع فيما يخص استخدام العقوبات المجتمعية البديلة.
ويبدو التوافق جليا بين الحكومة ومجلس النواب فيما يخص سرعة الموافقة على هذه التعديلات وإعطائها أولوية تشريعية، حيث سيفرغ مجلس النواب قريبا من مناقشة تعديلات قانون العقوبات، ليبدأ بعدها بقانون التنفيذ بعد أن أقرت اللجنة القانونية المقترحات المقدمة من الحكومة.
إن إقرار هذه التعديلات على قانوني العقوبات والتنفيذ ودخولها حيز النفاذ من شأنه أن يحد من التبعات المترتبة على وقف العمل بأمر الدفاع رقم (28) فيما يخص حبس المدين وجرائم الشيكات. فتكون الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت على أوامر الدفاع الخطية قد جرى التعامل معها تشريعيا بشكل سيشجع الحكومة على وقف العمل بقانون الدفاع.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com