مفلح العدوان
meflehaladwan66@gmail.com
.. وقال فيلسوف الرصيف: تعب الطين.. ملّ من كثرة البؤس الذي صار يتغلغل فيه، حتى غيّر لونه، كأن الفرن الذي كانت تشوى فيه جرار الناس، سها عنه الحراس، فاحترقت تفاصيل الأرواح، وصادر اللون الأسود كل معالم الأجساد!!
***
وأكمل الفيلسوف: الإسفلت طين.. وواجهات المحلات طين.. والشارع، والرصيف، والمارة، طين أيضا.. وهذه المرأة المجبولة بالسواد هي من بقايا ذاك الطين الذي أهمله الخلق، وعاث به الفقر، وتنازعته مآسي الحياة، فلم تجد إلا متكأ لها فوق رصيف الحزن لتعلن حالها دون أن تنبس بأية كلمة تدل عليها.. بؤسها دلّ عليها!!
***
.. ولما اقترب فيلسوف الرصيف من امرأة السواد، هاله ما رأى: صار جسد المرأة يتحول إلى حبر أسود، والصحيفة التي تجلس عليها، أخذت هيئة بساط ريح، وبدأت ترتفع فوق المدينة.. المرأة صارت تكتب قصة فقرها، بحبر جسدها، على صفحة السماء، وعلا صوت الدعاء من سويداء قلبها، على من كان سبب بؤسها، ثم بعدئذ أخذت تمطر المدينة حبرا، ليصير الجميع سواسية معها في اللون، بعد أن عجزوا عن أن يجعلوها متساوية معهم في طيب العيش، وراحة البال.. هذا كلام الطين الذي كتب بعض تفاصيله الفيلسوف قبل أن يمضي إلى رصيف آخر!!