كتاب

وطبول الحرب تُقرع.. ننشغل بتقديم ساعاتنا..!

نعم، والعالم يرتعد خوفاً من الحرب التي اندلعت في أوكرانيا وتوشك أن تصيب بآثارها وبدرجات متفاوتة العديد من الدول، لا بنيرانها المدمرة فحسب بل بتداعياتها الاقتصادية الخطيرة ايضاً، يُفاجأ المواطنون بقرار مجلس الوزراء بتغيير التوقيت الشتوي إلى الصيفي في غير أوانه المعتاد الذي جرى فرضه -أُسوةً بلا تمحيص- منذ سنوات بعيدة.

نعرف أن هذا النظام (!) المربك المرتبك كان سائداً في دول بعينها وشعرنا يوم وصل إلينا كأنه هابط من عالم الغيب أو صادر بموجب الأحكام العرفية لكثرة ما قيل في وصفه والثناء عليه وعدم الاستجابة لعدد من الاعتراضات المنطقية التي قامت ضده كعدم ضرورته لحياة الناس المستقرة على التوقيت الثابت منذ قرون وقرون وضُربت على ذلك أمثلة بسيطة من المعاناة التي سوف تنتج عن تطبيقه بتلاميذ المدارس الذين اصبح عليهم ان يخرجوا من بيوتهم في الصباح الباكر والدنيا ما تزال في عتمة آخر الليل، ويزداد الأمر قسوةً حين تقوم الأمهات العاملات بمهمة اصطحاب أطفالهن إلى الحضانات والرياض، مع انه كان من الافضل ان تصغي الحكومة لتلك الاعتراضات لا ان تسير على قاعدة أن «الناس مع الزمن يتعودون وينسون»، وربما لذلك استمر هذا التقليد غير المقدس وصار جزءًا من حياتنا له علينا واجب الطاعة دون مناقشة، وأصبحت الشكاوى من مصاعبه مجرد فقاعات لا تعيرها الحكومات أدنى اهتمام ولا ترد حتى على الخبراء والمختصين الذين يقولون صراحةً أن تفسيراتها غير منطقية وتبريراتها غير مقنعة علمياً فليس صحيحاً الزعم بتوفيره للطاقة، أو بأنه منسجم مع حركة السياحة العالمية او النظام المالي الدولي وتبادل المعاملات البنكية، او مسار السفن في أعالي البحار والمحيطات او تحليق الطائرات النفاثة فوق مثلث برمودا أو بأنه يخفف على مسافري الرحلات الجوية الطويلة من آثار الـ «Jet lag»!

واذا جاز لي كطبيب ان أدلي بدلوي مجتهداً لقلت انه تغيير مباغت ضار بالصحة من الناحيتين الجسدية والعقلية ويتدخل عشوائياً في الساعة البيولوجية لكل البشر مرتين في السنة، وهي ساعة جينية لا تضبط فقط بعض نشاطاتهم الظاهرة والمرئية وإنما كذلك المتعلقة بفسيولوجية الجهاز الهضمي او الدورتين الدموية واللمفاوية او هورمونات معينة تعمل على النعاس والنوم والصحو في تماهٍ بالغ الحساسية مع الليل والنهار والضوء والظلام وقوانين الطبيعة المختلفة كالجاذبية والضغط الجوي والعلاقات المسافية بالزمنية والارتفاعات عن سطح البحر!

وبعد.. هناك دول عديدة أدركت تلك الحقائق ولو متأخرةً فتراجعت عن هذا التغيير بـ «الساعات» وعادت إلى نظامها الشتوي السابق.. فهلّا عدنا؟