'كنتُ مصدر إلهام للآخرين، ومن ثم أصبحت هدفا للتنمر».. بهذه الكلمات بدأت الثلاثينية «جوليا حداد» عرض تجربتها بإصابتها بسرطان الثدي، وممارستها رياضة الركض في حديثها إلى «الرأي».
بدأت قصة جوليا بـ30 كانون الأول 2020 عندما اتخذت هواية الركض رفيقة لها، ومارستها بشكل يومي دون انقطاع لدعم مرضى السرطان. لم تكن تعلم حينها بأن الركض سيساعدها في اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي بعد أربعة أشهر تقريبا.
حينها، ظنت وطبيبها، بأن إصابتها ستدفعها إلى التوقف عن ممارسة هوايتها المفضلة، إلا أن ذلك لم يحصل، إذ بقيت تمارس رياضتها إلى اليوم دون انقطاع، بالرغم من امتثالها إلى ثماني جلسات كيماوية، وعملية استئصال ورم، و15 جلسة إشعاعية، وما زالت تمتثل للعلاج البيولوجي والهرموني؛ لتكون بذلك مصدر إلهام إلى غيرها.
اعتقدت جوليا أن المرحلة الأصعب تكمن في تغيير نظرة الآخرين إلى تقبل رؤيتها بلا «باروكة» أو أي مما يغطي رأسها؛ جراء خضوعها للعلاج الكيماوي، ولكن ما حدث معها لم يكن بالحسبان، إذ الأصعب بدا لها عندما بدأ شعرها بالنمو من جديد، وابتعد منظرها عن كونها مريضة بالسرطان، فأصبحت هدفا للتنمّر على حد قولها.
ألقيت عبارات عديدة على مسمعها أثناء الركض تذكرها: «شيرين عبد الوهاب»، «متحوّل»، «ليش هيك عاملة بحالك؟»، «أكيد واحد اسرائيلي»، ما دفعها إلى محاورة هؤلاء بكل صدر رحب، والرد عليهم بكل هدوء ومحبة.
تعرّضت جوليا لمجموعة من مواقف تنمر، ذكرت واحدا منها: «كنتُ أركض في أحد شوارع «عمّان»، وأثرتُ انتباه مجموعة رجال فأمعنوا النظر إليَّ مطولا عندما مررت بجانبهم، ومن ثم سمعتهم يتحدثون عني بأنني «متحوّل» -أي شاب متحوّل جنسيا-، أزعجني الأمر إلى درجة دفعتني إلى أن أعود إليهم وأسألهم بكل ود وصدر رحب، فيما اذا كانوا يتحدثون عني، مبينة لهم بأنني أنثى ولستُ كما يقولون، بل مريضة بالسرطان!!».
«أثر الركض على العلاج» تقول جوليا إن طبيبها شبّه رحلة علاجها بـ'سباق مسافات طويلة مع حواجز، لمعرفته أهمية الركض بالنسبة لي، فمثل أي سباق آخر فقد تدربت له من خلال تقوية إيماني وثقتي بالله تعالى بداية، وخلال ذلك اكتشفت قدرة العقل على التحكّم بالجسم».
وتلفت إلى أنها اكتشفت الأثر الإيجابي لهذه الهواية بعد امتثالها لجلسة الكيماوي الأولى، فقد شعرت بأن أعراض الكيماوي قد خفّت مع الركض، بالإضافة إلى إضفائها سعادة وطاقة إيجابية عليها.
لم تتوقف ممارستها للركض عند ذلك الحد، وإنما تحوّلت إلى إنجاز، وتشرح ذلك بقولها: «شاركت بسباق نصف ماراثون البحر الأحمر (٢١ كم) بعد إجراء العملية فقط بـ ٣ أسابيع، وشعرت أن اجتيازي خط النهاية حملة توعية ومد الآخرين بالأمل، وتشجيعهم للإقدام على الكشف المبكر».
كما وجدت راحتها بمشاركة الآخرين تجربتها مع المرض من خلال الفيديوهات تنشرها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لتوعيتهم بضرورة التأمين على السرطان، وحثّهم على إجراء الفحوصات الدورية.
وتشدّد على أن الدعم الذي يصدر من داخل الشخص ذاته له دور كبير في كيفية سير العلاج، بالإضافة إلى دعم الأهل والأصدقاء. وتبين في الوقت ذاته أنها «عندما بدأت بمشاركة تجربتها مع الآخرين شجعتهم لمشاركتها تجاربهم الخاصة، سواء ارتبطت بمرض أو بمشاكل اجتماعية، ما أكّد لها بأن لكل شخص حكاية ودور في دعم غيره».
وتدعو جوليا الآخرين إلى التفكير جيدا بما يتفوهون به؛ لأثره الكبير على غيرهم، مبينة بأن كلمة تبني وأخرى تهدم، وفي الوقت ذاته أن يحترموا اختيار الآخرين بالطريقة التي يتحدون فيها.
«أنت تختار» من جانبها، ترى المرشدة النفسية كاتيا مرجي أن الشخص نفسه يستطيع تحويل الألم الى أمل وفق طريقة تفكيره والزاوية التي ينظر من خلالها.
وتؤكد، في حديثها إلى «الرأي»، أنه «كلما امتلك الشخص الطموح والرغبة في حياته لأن يصل إلى مستوى معين فسيصله، بالرغم من التحديات التي تواجهه، والتدخلات غير المرغوب فيها التي ستقلق مجرى حياته».
وتلفت إلى أن الشخص إذا قابل التدخلات بسلبية ستهدمه وتحبطه ليصل الى حد الألم، بينما إذا قابلها بعزيمة وإصرار فسيرى بصيص الأمل ويعيشه.
وتشدّد على مقولة «أنت تختار» كيف تحوّل ما يقابلك، ويمكنك من اكتشاف الطاقة وقدرة التحمّل التي تمتلكها.
وتشير مرجي الى أن جوليا اختارت واستطاعت أن تفكر بطريقة إيجابية والابتعاد عن السلبية، وحاولت وضع حاجز للتنمر الذي تتعرض له كي لا يؤثر عليها.
وتبين أنه «في كل المواقف التي تعرضت جوليا إليها من تنمّر باللفظ أو النظرات، أثبتت بأنها تمتلك الثقة العالية بالنفس، وتصالحها وتقبّل ذاتها، وإصرارها على تجاوز المحن».
وتلفت في الوقت ذاته إلى أنه «رغم التعب الذي تشعر به، لديها قوة تُجاوز بها المواقف والتنمر والتدخلات غير المرغوب فيها التي تتعرض لها».
وتدعو مرجي إلى أن يختار أفراد المجتمع خيارَ أن يكونوا بنّائين، في الوقت الذي ترى فيه نسبة لا بأس بها من أفراد المجتمع هدّامين ولا يتقبلون الاختلاف لدرجة أنهم يتدخلون بالمرض والتعب وتأثيراته.