كتاب

سيولة فائضة لخلق فرص عمل خضراء

أبرز ما تظهره ميزانية البنك المركزي في نهاية عام 2021 أن هناك حوالي 5.4 مليار دينار سيولة فائضة للبنوك مودعة لدى البنك البنك المركزي، منها حوالي 1.6 مليار دينار «سيولة فائضة» بالمعنى المباشر لتعريف السيولة الفائضة، وحوالي 3.8 مليار دينار «ودائع بفوائد» في جانب المطلوبات في ميزانية المركزي تعود لعدد قليل جدا من البنوك، وهي سيولة يفترض أنها قابلة للاقراض لمشاريع عملاقة يحتاجها الاقتصاد الأردني في قطاعاته المختلفة وأهمها الطاقة والمياه والزراعة والنقل.

أما أبرز تطور شهدته ميزانية البنك المركزي الأردني في جانب الموجودات هو نمو الموجودات بنسبة 10.6 بالمائة في نهاية عام 2021 مقارنة مع نهاية عام 2020. وكان ذلك بسبب نمو الموجودات الاجنبية بحوالي 11.7 بالمائة في نهاية العام 2021 مقارنة مع نهاية 2020، وذلك نتيجة لنمو النقد والارصدة والودائع بالعملات الاجنبية بنسبة 21.2 بالمائة، وذلك من 6.6 مليار دينار في نهاية 2020 الى 8 مليارات دينار في نهاية عام 2021.

موجودات البنك المركزي من الذهب حافظت على مستوياتها عند 2.6 مليار دينار أو ما نسبته 14.5 بالمائة من اجمالي موجودات البنك المركزي او حوالي 18.2 بالمائة من الموجودات الاجنبية في البنك المركزي، وهي نسبة قريبة من مستوياتها في البنوك المركزية في الدول المتقدمة والصناعية، كما ذكرنا في مقال سابق في هذه الزاوية.

موجودات البنك المركزي من اذونات وسندات الخزانة الاميركية في نهاية عام 2021 بقيت عند نفس مستوياتها تقريبا في نهاية عام 2020. أما الموجودات المحلية، فلم يطرأ عليها أية تطورات ملحوظة خلال العام 2021 مقارنة مع 2020. وتجدر الاشارة الى أن قانون البنك المركزي يمنعه من تقديم تسهيلات مباشرة للحكومة.

أما في جانب المطلوبات، والتي تبين حجم التزامات البنك المركزي تجاه عامة الناس والبنوك والمؤسسات المالية والحكومة، فقد أظهرت أيضا بعض ما قام به البنك المركزي من تدخلات لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الاردني. فنمو بند النقد المصدر بنسبة بسيطة وصلت الى 4.6 بالمائة يظهر حقيقة طباعة نقود جديدة أو خروج نقد من صناديق البنك المركزي لتضيف سيولة جديدة في السوق. كما أن نمو ودائع البنوك بالدينار لدى البنك المركزي بنسبة 15.6 بالمائة خلال العام 2021 بالمقارنة مع العام 2020 جاء نتيجة ارتفاع حجم أموال الاحتياطي النقدي الالزامي بحوالي مائة مليون دينار، ونمو السيولة الفائضة بحوالي مائتي مليون دينار، ونمو بند «الودائع بفوائد» بحوالي 800 مليون دينار.

ارتفاع السيولة الفائضة والودائع بفوائد يعني أن هناك أموالاً لم تتمكن البنوك من اقراضها للقطاعات الاقتصادية، فاودعتها لدى البنك المركزي. فهل هذا مؤشر لعدم وجود طلب حقيقي وغياب المشاريع الجديدة أو لعدم التوسع في المشاريع القائمة أم انه ناجم عن التشدد في الاقراض وهي سياسة مطلوبة للمحافظة على سلامة ومتانة البنوك.

الكرة بملعب القطاع الخاص والحكومة لايجاد مشاريع خاصة أو مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص ذات جدوى اقتصادية feasible projects قابلة للاقراض bankable لتحريك هذه الاموال والاستفادة منها لتنمية الاقتصاد وخلق فرص عمل مستدامة.

في قطاع الطاقة والنقل والشحن يمكن الحديث عن امكانية إنشاء مصانع بطاريات كهربائية تكون مدعومة من الحكومة والقطاع الخاص بهدف التحول للسيارات الكهربائية والتخفيف من انبعاثات الكربون، وبالتالي التخفيف من فاتورة المملكة من الطاقة التقليدية. التوجه نحو هذه الصناعات يعني أننا نغوص أكثر في الثورة الصناعية الخضراء التي يعيشها العالم، ويعني أيضا خلق فرص عمل خضراء مباشرة ومستدامة، علاوة على فرص العمل الاخرى غير المباشرة في سلاسل التوريد الاوسع.

وهذا أيضا يصب باتجاه التحول نحو التعليم والعمل المهني الماهر الذي لا يزال لم يلقَ الاهتمام اللازم من جانبي العرض والطلب في الاقتصاد الاردني.