منذ سنوات وجهازنا الإداري يعاني من تكدس كبير وفائض في أعداد الموظفين، وصولاً إلى تسجيل أرقام كبيرة في أعداد البطالة المقنعة والتي لربما تقارب أرقام البطالة الحقيقية، فهل سيتسبب هذا الشيء بتعطيل الإصلاح الإداري؟
عملية الاصلاح الإداري التي نعتزم البدء فيها او لربما قد بدأنا فيها حقاً، لن تكون سهلة أبدا وعلى الإطلاق وستكون كما الولادة من الخاصرة، ولربما من أصعب عمليات الإصلاح التي سنقوم بها وأصعب بكثير من الإصلاح السياسي والاقتصادي، وذلك كون عملية الإصلاح الإداري إذا ما أردنا لها النجاح فعلا فسيكون لها متطلبات لربما لن نستطيع ان نقوم بها حاليا أو حتى مستقبلا، وأبرزها هيكلة القطاع الحكومي وظيفيا وخاصة أننا أمام جهاز إداري متخم بالموظفين.
انا هنا لا أدعو الى فصل أو تسريح العاملين، فهم لا ذنب لهم في هذا التكدس وهذا الفائض، فالذنب يعود إلى كافة الحكومات السابقة التي اختارت أن تحل مشكلة البطالة على حساب الجهاز الإداري الحكومي، وهذا أسهل الحلول بالنسبة لهم، دون أي محاولة لخلق بيئة جاذبة للاستثمار القادر على توظيف وتشغيل الأيدي العاملة والشباب، بالإضافة إلى عدم قيامها في العمل على التثقيف والتوعية بأهمية العمل في القطاع الخاص، وإهمال إيجاد حلول لمخرجات التعليم وتوافقها مع متطلبات السوق، فالحكومات جميعها اختارت أسهل الطرق في معالجة البطالة والحفا? على رشاقة الجهاز الإداري الحكومي، واستغلالها في الواسطات والمحسوبيات والارضاءات في التعيين، حتى وصلت في البعض إلى التبجح بقيامه بتوظيف ألف موظف في أكثر من مكان وقطاع حكومي.
جهازنا الإداري اليوم غير قادر على استقبال طلب توظيف واحد فهو متخم وقادر على تصدير آلاف الموظفين للعالم، غير أن حجة كل المسؤولين السابقين والحاليين كيف سنخفف من البطالة إذا ما لم يتم التوظيف في الجهاز الإداري الحكومي، ومن هنا بدأت المشكلة وما زالت مستمرة وستستمر إذا ما بقينا نفكر في أنصاف الحلول وليس بالحلول الجذرية التي تكمن في تنويع الاقتصاد لدينا وتمكينه من جذب استثمارات والمشاركة فيها وتهيئة الأيدي العاملة للعمل فيها والعمل سريعا على وقف مسخرة التخصصات الراكدة التي ما زال يتخرج منها آلاف سنويا دون أي جه? يذكر لوقفها والانتقال إلى التخصصات الجديدة ذات المستقبل الواعد.
اليوم سندفع ثمن هذه التصرفات التي كانت على حساب جودة ورشاقة الجهاز الإداري الحكومي لدينا، وسنكتشف أثناء سيرنا في عملية الإصلاح أن هناك من ارتكب في حق هذا الجهاز الحكومي جريمة كبرى، وعلى حساب مستقبل الأجيال المقبلة وذلك لتحقيق مكاسب ضيقة من قبل هذا وذاك، ما جعلنا اليوم أمام أزمة إدارية كبرى لربما يتحقق من خلالها مقولة «لن يصلح العطار ما أفسده الدهر».