بريشة المبدع، يعبر عاشق المدن الفنان التشكيلي محمد الجالوس من خلال لوحاته التي يقدمها في جاليري «بيكاسو» بالقاهرة، تحت عنوان «سحر البر الغربي»، عن عشقه لمدينة الأقصر المصرية، كاشفا عن جمالها وسحرها الخلاب وطبيعتها المبهرة. وهو ما فعله سابقا مع عدة مدن مختارة، من الأردن وفلسطين ودول أخرى أحبها.
يبرز الجالوس عبر لوحاته معالم مدينة الأقصر كما لم يرها الناظر من قبل، مركزًا على الأماكن غير المعروفة بشكل كبير، لكنها تمتلك الجمال والسحر الخلاب الذي يؤثر في القلوب، إذ يظهر في اللوحات جليّا مقدار عشق الجالوس للمدينة المصرية، وما قضاه من وقت لرسم لوحات تعكس الطبيعة المبهرة فيها.
يقول الجالوس الذى اختيرت إحدى لوحاته ضمن المعرض الصينى الوطنى في بكين: «الأقصر من المدن التي وقعت في غرامها»، مضيفا أنه أصبح مدمنًا على زيارتها وقضاء ساعات في تأمل جمالها. ويتحدث الجالوس عن معرضه الجديد بقوله: «عندما زرت الأقصر للمرة الأولى في شتاء 2016، ظلت هذه المدينة المسالمة الهادئة، حاضرة في ذاكرتي وقلبي، وبقي التفكير يراودني بزيارتها مرة أخرى، حتى تلقيت في شتاء عام 2019 دعوة من غاليري بيكاسو ايست، مع نخبة من الفنانين المصريين المؤثرين في الحركة التشكيلية المصرية، وهنا تعرفت أكثر على جانب جديد من المدينة لم اكن قد تعرفت عليه في المرة الأولى، إنه البر الغربي».
ويتابع الجالوس حديثه: «في الزيارتين الأولى والثانية، رسمت بعض المشاهد السريعة من البر الغربي، ووثقت العديد من الأماكن الرئيسية من طبيعة المكان الساحرة، وبقيت تلح علي هذه المدينة لأرسمها أكثر، كيف لا وقد وقعت في غرامها كسابقاتها من المدن التي أثارت شجني وأعادتني إلى بئر الحب العميقة».
ويقول الجالوس: «بعد أن ألقت كورونا بظلالها الثقيلة على إيقاع الحياة، وما صاحب ذلك من حجر وتقييد الاتصال المباشر بين الناس، وجدت ضالتي لأعاود التذكر والتخطيط، والرسم لأعمال فنية لا أزعم أنني التزمت فيها بحرفية المشاهد التي مرت على عيني، بل بروح المكان وعلاماته الفارقة، حتى إنني تركت يدي تجتهد في مناخ المنظر الطبيعي، وقد غرفت من فضاء خبرتي التقنية، تلك التي بنيتها عبر أربعة عقود من العمل في اللوحة، وضمنتها تلك الأعمال، بروح العاشق».
من جانبه، قال رضا إبراهيم، مالك «جاليرى بيكاسو» عن تجربة الجالوس في هذا المعرض: «يقدم الجالوس شكلًا مختلفًا لمدينة الأقصر بفنه، وهو لم يلجم عنان اللون، بل نراه محلقًا في عالم التلوين الذي يجيد قراءة تشفيراته بعناية، كما أن هاجس الفلسفة كان حاضرًا قبل هاجس الرسم على الرغم من أن لوحاته ارتقت برشاقة لتمسك بأطراف الدهشة وتشي بالكثير من اللذة والإمتاع».
أما الفنان التشكيلي العراقي د.محمود شبر فقال عن المعرض: «لطالما انتبهت إلى ما ينتجه الجالوس من اشتغالات جمالية تعنى بحقيقتها بالمدرسة التجريدية. وحينما ترد كلمة تجريد يتبادر إلى أذهاننا مفهوم التصوف الذي غالباً ما يكون مؤدّاه (الإطاحة بالمضمون لصالح الشكل) كما يفعل المتصوفة الذين يتقربون إلى (المطلق واجب الوجود) من خلال كبت رغبات الجسد (الأرضي) لإعلاء شأن الروح (السماوية)».
وأضاف شبر: «حين أنظر إلى عوالم الجالوس أرى فضاءاتها مفتوحة وشاهقة الجمال تم توليدها بعناية العارف بماهية الرسم ودوره المتوارث في لي عنق المآسي لجعلها كرنفالات للبهجة، وبالرغم من أن أغلب مدنه لم نر فيها (ذوات الأرواح) إلا أنها كانت مفعمة بجمال روحه الذي يترجمه رويدًا رويدًا على خامة الرسم ليعلن أنه لم يغادر التجريد ولم يرسم الطبيعة المتعارف عليها، بل أراد تسليط الضوء على ذاته التي تصرخ بنا (أن هلمّوا بنا لهذا الجمال)».
ولفت شبر إلى أن الجالوس لم يكن معنياً بالصوفية على قدر اهتمامه بالتأسيس لحقل بصري تكون تردداته قابلة للرؤيا من زوايا متعددة. موضحا أن غواية أحادية اللون او ثنويته حاضرة في أعمال الجالوس التي «اصطبغت بصبغة الإحاطة بالشكل الذي يأخذ مسارات عدّة على صعيد التنفيذ. حيث نراها نافرة عن الخامة بعض الأحيان فنحسبها ضمن نسيج السطح التصويري، أو غائرة تحدثنا عن الصدق الذي يبثه الفنان على السطح التصويري بنزاهة الصادقين».