ذات يوم أوهمنا من سمّى نفسه «العالم الحر» اننا تخلصنا من الفاشية الى الأبد بمجرد القضاء على النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، ومع تسخين الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي ظهرت بوادر فاشية في الولايات المتحدة نفسها في خمسينات القرن الماضي بما عرف بالمكارثية المسعورة ضد كل ما هو ديمقراطي، تحت ستار مكافحة اليسار والشيوعية وكل من يتجرأ على المس بقدسية اقتصاد السوق!
ومرت ستة عقود جرى فيها اقترابٌ للفاشية او ابتعادٌ عنها في هذا البلد أو ذاك لنبلغ نهاية المطاف العاصمة الاميركية واشنطن يوم ٦ يناير العام الماضي حين اجتاحت جموع المتعصبين البيض مقر الكونغرس، الرمز التاريخي للنظام الديمقراطي الاميركي، بهدف إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية وإعادة دونالد ترامپ لسدة الرئاسة بانقلاب سافر كالذي تعودت الـ CIA ان تدبره في دول اخرى! وبمرور عام يجري هذه الأيام تسليط الضوء على ذلك العصيان المسلح وسط معلومات جديدة وأسرار كشفت عنها المحاكمات وأدانت أعداداً من المشاركين لكن بأحكام ضعيفة، ?تتواصل المطالبات الشعبية بمزيد من الجدية في التحقيق وبعقوبات أشد ردعاً وإلا بقيت الفاشية كامنة متربصة في أقوى وأغنى دولة في العالم، وتشير تقارير اخبارية عديدة احدها بثته من واشنطن وكالة الأنباء الفرنسية في٩/١٠/٢٠٢٠ اي قبل الاعتداء على الكونغرس، تقول فيه «تم توقيف ١٣رجلاً كانوا يخططون لخطف حاكمة ميشيغان وبدء حرب اهلية (!) قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية ما يلقي الضوء على وجود جيوب مسلحة لليمين المتطرف تشكل بحسب الشرطة الفدرالية التهديد الإرهابي الاول في عهد دونالد ترامپ... وكانت مجموعات مثلها قد ظهرت في ش?رلو تسڤيل في فرجينيا عام ٢٠١٧ وشاركت فيما بعد في التظاهرات المناهضة للقيود المفروضة لاحتواء وباء الكورونا خلال ربيع ٢٠٢٠، وسمّت الشرطة منها خمساً اشتهرت بدفاعها عن حق حمل السلاح وبعدائها للسلطة والفكر اليساري وبدعوتها لتفوق العنصر الأبيض وبارتباطها بعلاقات مع حركات للنازيين الجدد، كما تتواصل فيما بينها برسائل مشفّرة على المواقع»..
في الاسبوع الماضي وفي عيد ميلاده الثالث والتسعين عاد المفكر الاميركي الكبير نعوم شومسكي في حديثه الشامل على القناة المستقلة ديمو كراسي ناو للتحذير من خطر ظهور الفاشية في الولايات المتحدة وآخر إرهاصاتها كان اقتحام مبنى الكونغرس وما تبعه من السعي لتغيير التشريعات الانتخابية في عديد من الولايات التي يكثر فيها المواطنون السود والأميركيون الأصليون او من أصول لاتينية او آسيوية وذلك للحد من وصولهم لصناديق الاقتراع، وقد فصّلت ذلك في كتابها الذي صدر مؤخرًا الأكاديمية الاميركية كارول أندرسون بعنوان «مواطن واحد.. بلا?صوت!» كسخرية من تلك التغييرات الهادفة لمسخ القاعدة الديمقراطية «مواطن واحد.. صوت واحد»!
وبعد.. نعرف جيداً ان أنظمة فاشية مختلفة تهيمن على بعض الدول متلفعةً بشعارات ديمقراطية كاذبة ويناضل مواطنوها لفضحها والتخلص منها، لكن الطامة المرعبة هي احتمال نجاح اليمين الاميركي المتمثل في الاستعلائيين البيض بفرض فاشيتهم الكبرى ما لم تقف كل الشعوب مع الشعب الاميركي بشرائحه المهمشة لوأدها في مهدها.