المهندس المدني «رائف يوسف محمود نجم» غاب عن حياتنا الأردنية والفلسطينية في أواخر الشهر الماضي تشرين الثاني من هذا العام 2021 بعد ان وُلد في العام 1926, حيث قضى معظم حياته مهتماً بالقدس وبالذات المسجد الأقصى إعماراً هندسيًّا وتأليفًا للكتب عن القدس والمسجد الاقصى، وتوعية للأمة العربية بالخطر المحدق بهذا المكان المقدس وبأهله من عمليات التهويد التي كانت حديثةَ العهد آنذاك قديماً منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967.
ورائف نجم هو أحد أبرز العاملين في مجال إعمار المسجد الأقصى، والمدافعين عنه من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة، وهو مَن أشرف على وضع مخططات ترميم قبة الصخرة المشرفة، ومخططات إعادة تأهيل البنية التحتية للمسجد الأقصى.
فمن المعروف كذلك ان مخططات البنية التحتية والإنارة والمياه والتبليط وترميم الأسوار وسقف المسجد القبلي كلها خرجت من مكتب الراحل نجم في عمان.
وكان الراحل قد شغل منصب وزير الأشغال العامة في الحكومة الأردنية عام 1984، بالإضافة إلى تولّيه حقيبة الأوقاف والشؤون والمقدسات الدينية عام 1991.
وهو من بادر لاقتراح تسجيل القدس على لائحة اليونيسكو للتراث الإنساني، ثم للتراث المهدد بالخطر، وصل الليل بالنهار في توثيق القدس وكنوزها المعمارية والحضارية.
فالقدس هي مدينة السلام، والتي تعتبر من الكنوز الانسانية الثرية، بتراثها الروحي والتاريخي والمعماري العالمي.
وكانت قديماً قبل سنوات قد قامت الدكتورة فاطمة الوحش مشكورة بتجميعها لعدد من المحاضرات التي لم تنشر للمهندس رائف نجم ضمن كتاب خاص أسمته » ذاكرة لن تغيب » صدر في العام 2010 في عمان.
مِن ذاكرة لن تغيب
ومما جاء في هذا الكتاب: رائف نجم هو مهندس مدني، خريج جامعة فؤاد الأول–القاهرة حاليـاً- عام 1951, والحيـــاة العمليـــة له ثرية جداً بحب الوطن والقدس.
فقد كان نائبا لرئيس لجنة اعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة منذ عام 1970.
وهوعضو اللجنة الملكية لمقامات الصحابة والأنبياء في الأردن منذ سنة 1984.. وعضو مجلس أمناء الصندوق الهاشمي لأعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة.
وله عشرات الإسهامات الإعلامية والتأليف للكتب دفاعاً عن العرب والقدس العزيزة على كل المحبين لله والحق والعدالة.
وفي «ذاكرة لن تغيب» نقرأ ما كتبه رائف نجم عن القدس:
تتميز منطقة الشرق الأوسط بأنها أرض يقدسها المسلمون عقائدياً وهذا ما اكده القرآن والسنة النبوية الكريمة حيث قال الله تعالى: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) وقال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله). فالمنطقة حول المسجد الأقصى هي القدس وفلسطين وارض الشام بالمعنى الواسع.
وجاء في الحديث النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا معاذ سيفتح عليكم الشام من بعدي، من العريش إلى الفرات، رجالهم ونساؤهم مرابطون إلى يوم القيامة، فمن احتل منهم ساحلا من الشام أو من بيت المقدس فهو جهاد إلى يوم القيامة).
وعلى هذا الأساس فإن كلام الرسول الكريم قد وضَّح حدود أرض الشام وقال أنها من العريش إلى الفرات.
وعندما سأله الصحابي ذو الأصابع رضي الله عنه قال: (إذا ابتلينا بالبقاء من بعدك يا رسول الله فأين تأمرنا؟! فقال: ببيت المقدس فلعل الله يرزقك ذرية طيبة تروح إليه وتغدو) وهذه تعتبر توصية من الرسول عليه الصلاة والسلام للمسلمين كي يتمسكوا بالقدس الشريف ولا يتنازلون عنها.
ومن المعروف ان ارض الشام وفلسطين منها ودرتها القدس قد ارتوت بدماء الشهداء من الصحابة الذين استشهدوا على أرضها الطهور ولاقوا ربهم وهم يرفعون كلام الله عاليا ويجاهدون في سبيل الله، وأبلوا البلاء الحسن، وقد دُفن عدد كبير منهم فيها، وأعطوا المثل الأعلى للدفاع عنها.
بعد الحكم العثماني
في القرن العشرين أهملت القدس القديمة من الصيانة والترميم والاعمار بعد فترة الحكم العثماني والى بداية العهد الهاشمي, حتى أصبح تراثها الحضاري والفكري مهدداً بالخطر, وخصوصاً أن جل هذا التراث أصبح مسكونا من قبل عائلات فقيرة ولم يعد يؤدي الدور الحضاري والفكري السابق.. ويجب توافر الجهود المخلصة لكي تمنح الحياة إلى هذه المعالم كما منحتنا هي الحياة عندما أنشأها أجدادنا الأوائل.
العرب هم مَن بنوا القدس
هذا وتُجمع كتب التاريخ العربي على: أن اليبوسيين هم الذين بنوا مدينة القدس وأطلقوا عليها مدينة يبوس، وهم من القبائل الكنعانية الذين جاءوا من الجزيرة العربية حوالي 3000 ق. م. وكان يحكم المدينة ملكي صادق ثم تحول اسمها الى (اوروسالم) أي مدينة السلام واستمر حكم اليبوسيين للمدينة (1250) عاماً, ثم حكمها الهكسوس (150) عاماً, وبعدها جاء الفراعنة المصريون وحكموها (200) عام.
وبعد كل هذه المدة الطويلة جاء بنو إسرائيل سنة 1000 ق. م وسكنوا فيها وبنوا هيكلهم الأول الذي هدمه نبوخذ نصر سنة 587 ق. م وفي زمن الرومان بنى لهم هيردوس الهيكل الثاني وهدمه تيطس سنة 70. م. ثم أزال هدريان أثاره بالكامل سنة 135 م.. وحرَّم القدس على اليهود.
وعندما دخلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 635م اشترط عليه صفرونيوس في العهدة العمرية ألا يدخلها أحد من اليهود. وبقيت عربية يعيش فيها المسلمون والمسيحيون في وئام ومحبة إلى أن بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين والقدس مجدداً في القرن التاسع عشر.
حتى أن التوراة فيها إصحاحات عديدة تتحدث عن اليبوسيين والفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في القدس قبل دخول الإسرائيليين إليها والحروب التي كانت تنشب بين الطرفين.
فمن الوجهة التاريخية والدينية فإن أصل مدينة القدس كان عربياً لا إسرائيليا كما يدعون اليوم عندما يحتفلون بالقدس (3000) عام.
فنحن العرب مقابل ذلك نحتفل بالقدس (5000) عام. وأراضي فلسطين عامة منذ أن فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة القدس على يد القائد أبو عبيدة سنة 635 م. ووقع العهدة العمرية مع بطريرك البيزنطيين صفرونيوس الدمشقي, الذي اشترط وضع نص في الاتفاقية بأن لا يسكن إيلياء أحد من اليهود، فحقد اليهود على الطرفين المسلم والمسيحي.
والخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فتح القدس لم ينقل الخلافة إليها ولم يغير من أي طابع مسيحي فيها شيئاً. والعهدة العمرية هي أفضل ميثاق عالمي لاحترام حقوق الإنسان.
والقائد صلاح الدين الأيوبي الكردي بعد أن حرر القدس في عام 1187م، لم يجعلها عاصمة كردية، بل تركها مدينة عربية كما كانت، وحافظ على هويتها.
والعثمانيون عندما كانت تحت سيطرتهم لم يجعلوها مدينة تركية بل حافضوا عليها وقاوموا ضد تهويدها.
لكن الإسرائيليين منذ أن وطِئت أرجلهم فلسطين وهم يعملون على تهويدها أرضاً وشعباً.. ومع الأسف لا نرى من العرب والعالم سوى الإستنكار والشجب.