تحترم الحياة الإنسانية، العلم والثقافة والشعور بالأخر، والنشاطات الخلاقة، وخلق الوعي السياسي والحقوقي في قضايا الأفراد والمجتمعات، فهي من الحاجات اللامادية الماسة التي يؤمن كثيرون بأهميتها أكثر من الحاجات المادية، مثلما أن التعليم والثقافة يحققان فوائد اجتماعية ومعنوية، تتجاوز بكثير الفوائد المادية والإنتاجية، الى احترام الذات والاعتزاز بها، وتزايد القدرة على التواصل مع الآخرين، والارتقاء بالذوق الأخلاقي والحضاري.
لقد علمت التجارب التنموية الشعوب أن المشروعات التي تنبثق بإرادة السكان هي خير المشروعات التي تكسب الناس الخبرات في إدارة الإنتاج، وتولي مسؤولية تنفيذ المشروعات المحلية، على نهج يركز على المشاركة الأهلية في عمليات التنمية ولا يعفي الدولة من دورها في إقامة ما يوصل بين هذه المجتمعات، وبما يبقي أهالي القرى القريبة وحتى النائية على صلة بالمستجدات وبالثقافة وبأسباب الوعي، وبما يوفر شروط النجاح لبرامج التنمية، وبالتالي جنيا لثمار التنمية الملبية للحاجات، والمعبرة عن الرغبات والقائمة على القناعات، وبعكس ذلك تبقى تلك الانجازات قوالب جامدة معزولة غريبة، لا تستهوي الناس من حولها، ولا يقبلون على التعامل معها بود وحماس وتفاعل.
عندما نطرح هذا النسق من التنمية، الذي يقوم على بدء الجهود من القرية او الحي بالمدينة، وبالاعتماد الرئيسي على أهالي تلك القرية أو ذلك الحي، قد يرد في الأذهان فكرة التخلي عن الدور الكامل للجهود الحكومية في إتمام عمليات التنمية، ومن ترد الى أذهانهم مثل هذه الأفكار يرون أن الفلاح البسيط بمهاراته والفقير بإمكاناته بحاجة إلى من يعينه، لا أن ينهض هو لتقديم العون في تنمية قريته وتطوير محيطه، ولكن أيماننا بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، واعتقادنا بأن تعلم الإنسان للصيد هو أفضل من أن نقدم لهم طبقا من السمك، وأن نضيء شمعة خير ألف مرة من أن نلعن الظلام، يجعلنا نتمسك بأن خير مساعدة للناس هي مساعدتهم على أن يساعدوا أنفسهم.
تعود الناس على المجالات التي يرون فيها كل شيء جاهز، بدون جهد بدني أو عناء فكري، الا أن حقيقة الكرامة الإنسانية تكمن في أن لا أن يتخلى الإنسان عن تحقيق ذاته بممارسة العمل المنتج، أو أن يهمل نفسه بالخمول والكسل مكتفيا بالأخذ من دون عطاء، قد يقول قائل أن هذا كلام ابن المدينة، الذي يريد أن يحضر له الفلاح حاجاته الغذائية الطازجة من المزرعة والحقل إلى المدينة كل صباح، ولكنني أعكس ذلك بالقول أن من الأكرم للإنسان أن يعتمد على نفسه، ومن الأنبل للشعوب أن تأكل ما تزرع وأن تلبس مما تنسج.
هكذا يقاس رقى الشعوب وتعين درجة ابتعادها واقترابها من نقطة التحرر والاستقلال وتحقيق الذات، والا تظل أسيرة لغيرها حتى برغيف خبزها وكأس حليبها وسطل مائها، ناهيك عن قماش ردائها واسمنت بيتها.
dfaisal77@hotmail.com