أستندت موازنة عام 2022 التقديرية على افتراض أن معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي سيكون 2.7 بالمائة. وهذا يعني أن الاقتصاد الاردني، وبعد اللجوء لمختلف انواع السياسات الاقتصادية، بتفرعاتها المتنوعة من سياسة مالية، كما تظهرها الموازنة التقديرية لعام 2022، وسياسة نقدية بكل أدواتها، وسياسة استثمارية، إن وجدت، وسياسة صناعية ان كانت متوفرة، وسياسة تجارية وزراعية وغيرها، كلها لن تستطيع خلق معدلات نمو اكثر من 2.7 بالمائة فقط. وهذه نسبة نمو متواضعة جداً، تعكس، بلا أدنى شك، عجزاً ما.
ويتساءل الناس، هل تعكس عجزاً في الفكر الاقتصادي الذي يقود الاقتصاد الاردني منذ سنين عديدة، أم تقاعساً لدى الجهات المعنية في تحفيز الاقتصاد، أم تردداً من القطاع الخاص للتوسع في الاستثمار، أم خوفاً لدى المستثمرين المحليين والعرب والاجانب في القدوم للمملكة؟! أترك الاجابة للقارئ والمتابع.
معدلات نمو بهذا المستوى لن تساهم في رفع مستوى رفاهية المواطن، ولن تخلق وظائف كافية لتشغيل الاعداد الغفيرة المتعطلة عن العمل والتي وصلت نسبتها 25 بالمائة بالمتوسط وأكثر من 50 بالمائة بين الشباب. فأين يكمن الخلل؟.
إن غياب المشاريع الكبرى من معادلة الاستثمار، وغياب النشاط الاقتصادي الزخم الذي يقوده القطاع الخاص، وغياب الاستثمار العربي والاجنبي الجديد، وغياب مشاريع الشراكة الحقيقية بين القطاع العام والقطاع الخاص، وشبه غياب المشاريع الريادية والابتكارية عن المشهد الاقتصادي، كلها عوامل مسؤولة عن المستوى المتدني لمعدلات النمو الاقتصادي المنخفضة والمتوقعة في العام المقبل. وهذا يعني أن على من هو على قائمة الانتظار للحصول على فرصة عمل أو تشغيل أو البدء في مشروع خاص أن ينتظر عاما أخر على أمل احداث تغيير جذري في ادارة دفة الا?تصاد الكلي بقطاعاته المختلفة.
بنظرة سريعة على بنود موازنة 2022 التقديرية، وبعدها على موازنة التمويل، نجد أن الخطوط العريضة لها لا تختلف كثيراً عن بنود الموازنات السابقة. فحجم الموازنة وصل الى 10.66 مليار دينار بنسبة نمو وصلت الى 8 بالمائة عن الارقام المعاد تقديرها للسنة الحالية 2021. مصدر هذه الأموال ستحصل عليه الخزينة من مختلف القطاعات الاقتصادية عن طريق الضرائب والرسوم والمنح الخارجية، وسيعاد ضخ 7.7 مليار منها في الاقتصاد على شكل نفقات جارية عن طريق الرواتب والأجور والتقاعد ولدعم الجامعات والوحدات الحكومية ودعم القمح والاعلاف والمعون? الوطنية، و 1.4 مليار دينار لخدمة الدين الداخلي والخارجي، والمتبقي منها 1.55 مليار دينار ستذهب نفقات رأسمالية جُلها مشاريع مستمرة من السنوات السابقة نأمل أن تساهم في خلق جزء من النمو الذي نتكلم عنه.
وبطرح اجمالي النفقات من اجمالي الايرادات فان حجم العجز في الموازنة سيصل عام 2022 الى 1.76 مليار دينار وسيضاف الى رصيد المديونية، بعد أن يضاف اليه أيضا رقم عجز موازنة المؤسسات المستقلة، والمقدر بحوالي 600 مليون دينار، ليصل اجمالي رصيد المديونية الى حوالي 38.8 مليار دينار وبنسبة تصل الى 114 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. وهي أرقام ونسب مرتفعة بكل المقاييس.
من هنا فان المضي بنفس المسار في ادارة السياسة الاقتصادية للمملكة، يجبرنا على الاستمرار في تبني موازنة تمويل صعبة للغاية ترتكز على الاقتراض محلياً ودولياً وبأرقام ستصل الى 7.6 مليار دينار لسد عجز الموازنة ولاطفاء بعض الديون الداخلية والخارجية، وهذا من شأنه، كما أسلفنا، اضافة المزيد من الدين على رصيد المديونية المرتفع أصلا.