في قاعدة سلم «ماسلو» تتشابه الكائنات الحية في معظم الحاجات الفسيولوجية إن لم تكن جميعها، لكننا في ظل التغيرات المناخية التي تلقي بظلالها على الكرة الأرضية وأخذت تسبب قلقا وجوديا يدفعنا لتوجيه التفكير لنجاة الإنسان بمعزل عن حماية النظم الإيكولوجية برمتها كونها تتأثر بتلك التغيرات وتهدد بذلك بشكل مضاعف على مختلف متطلبات العيش الآمن.
لقد تضمن الهدف الخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة توجيه الاهتمام الحكومي والمجتمعي لحماية النظم الإيكولوجية البرية، وترميمها، وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، وإدارة الغابات على نحو مستدام، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره، ووقف فقدان التنوع البيولوجي.
إن الأخطار التي تحدق بتدهور النظم الإيكولوجية في الأردن لم تعد مقتصرة على التغيرات المناخية فحسب بل جراء مسببات ترتبط بالنشاطات الإنسنموية (الإنسانية-التنموية) التي تسير باتجاه يعاكس متطلبات المحافظة على النظم الحيوية، ويستنزف وديعة الأجداد الزراعية التي ما حافظ أحفادهم عليها وأدت لالتهام الأراضي الزراعية، والزحف العمراني المركزي، وتوجه الاستثمارات نحو المناطق الغنية بالتنوع الحيوي، وضعف إدارة الغابات، والرعي الحر، والحرائق.
يحتل الأردن الترتيب 16 عربيا بمساحات الغابات التي تتصدر قائمتها السودان بمساحة 183.600 كم مربع، وتشكل نسبة مساحات الغابات فيه 1.1% من مساحته الكلية المقدرة بحوالي 975 كم مربعاً (البنك الدولي 2020) ومن المؤسف أن يقدر الخبراء حجم التراجع في مساحة الغابات الطبيعية بالأردن بحدود 30% بالوقت الذي لا تتوزع مساحة الغابات عالميا بالتساوي إلا إنها تغطي 31% من مساحة اليابسة (تشكل 4.06 مليار هكتار) تشير الإحصاءات لفقد 100 مليون هكتار من مساحة تلك الغابات في عقدين (2000-2020).
أحصى خبراء أردنيون في التنوع الحيوي انقراض 6 أنواع من الثدييات، فضلا عن إحصاء 33 من الأنواع المهددة بالانقراض، وفق التصنيف الأخير الذي تم إنجازه في ضبط القائمة الحمراء وفق معايير الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الذي يتضمن بيانات تشمل أكثر من 134400 نوع من الثدييات والطيور والبرمائيات والشعاب المرجانية والصنوبريات. ويُعتبر أكثر من 37400 نوع منها مهدداً بالانقراض تشكل 41% من البرمائيات، 34% من الصنوبريات، 33% من الشعب المرجانية، 26% من الثدييات، 14% من الطيور.
لقد اعتمدت جميع البلدان تقريبا، ومن بينها الأردن، جهات رسمية مختصة تسعى إلى تحسين وصون نوعية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، تقوم بإعداد وتطوير سياسات وتشريعات واستراتيجيات وبرامج مراقبة قابلة للتنفيذ وإدخال المفاهيم البيئية في خطط التنمية الوطنية.
لكن القلق يتزايد عند الاطلاع على مستوى تراجع بيانات مخرجات ومؤشرات التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة ذات العلاقة بالمجال البيئي بعامة. لذلك وجب التنبيه لما يلي: مراجعة مهام ومسؤوليات الجهات الرسمية لوقف التداخل بالصلاحيات والتوجه نحو توحيد مركزية المسؤوليات والأدوار المتعلقة بالإدارة البيئية المتكاملة التي تتطلب إعادة هيكلة للمعنيين بشؤون (المياه والزراعة والبيئة).
إقرار خطة وطنية شاملة لحماية البيئة بمفهومها المتكامل واشتقاق خطط منها لإدارة مناطق التنوع البيولوجي الرئيسية بالأردن على مدى السنوات العشر القادمة آخذين بالاعتبار إدخال التقنيات الحديثة كأساس للموارد اللازمة لضمان نجاح التنفيذ مثل الرصد الدروني، الروبوتي، وإصدار التقارير الدورية القائمة على تحليل البيانات الضخمة بشكل دقيق.
إدراج أكبر لاعتبارات التنوع الحيوي بالتعليم والتنمية المجتمعية كمكافحة الفقر، والسياحة الشاملة، والطاقة النظيفة، وغيرها، وربط بعض أهدافها بمتطلبات ومؤشرات التنمية المستدامة التي لم تتم مراقبتها وتحديد مسارات تداخلها مع مختلف القطاعات، وتقييم مستوى التقدم واتجاه تحقيق تلك الأهداف بشكل منتظم.
التنفيذ المباشر لتحضير وتشجير المناطق المحاذية للصحراء ومراكز المحافظات وما حولها ضمن نسبة محددة سنوية للزراعة بمساهمة القوات المسلحة ومختلف مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني.
إقرار وتعميم حزمة من المعايير التوجيهية لتقييم الأثر البيئي للمشاريع التنموية على النظام البيئي واستكمال المعايير الوطنية لإدارة مناطق حماية التنوع الحيوي وفقا لطبيعة مكوناتها.
إقرار نهج واضح يطبق على كافة الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني قاطبة لتقييم تأثيرات الاتفاقيات الإقليمية والدولية على النظام البيئي، ومستوى الفائدة المتحققة على المديين القصير والطويل ورصد تأثيرات نتائج تلك الاتفاقيات على المجتمع برمته.
تأسيس مركز وطني لإدارة المعلومات والمعرفة الخاصة بالتنوع البيئي بعامة والحيوي بخاصة وحشد الموارد المختلفة اللازمة لتفعيل نشاطات المركز.
أخيرا، لكي ننجح ببناء ثقافة مجتمعية تركز على خفض مستوى القلق العام حيال القضايا البيئية وتوسيع دائرة الاهتمام المتمركزة حول الإنسان، كونه العنصر الحي الأوحد المتأثر بالقضايا البيئية، لا بد من إقامة متحف وطني يتضمن فروعا له بمختلف المحافظات تسهم بإنشائه كافة المؤسسات المعنية بإدارة القضايا البيئة وحماية التنوع الحيوي وإدارة الموارد الطبيعية يسهم في رفع المستوى الثقافي والتوعوي المجتمعي، ويعد إحدى المحطات المهمة لارتياد السائحين لخصوصية التباين الجغرافي والتنوع الحيوي المصاحب له بالأردن.
خبير التميز المؤسسي واستشراف المستقبل