خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

صناعة المحتوى الرقمي وقيمة التأثير

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. عامر عورتاني أخصائي علم الاجتماع [email protected] لا شكّ أنّ السوشيال ميديا باتت تمتلك بريقاً يخطف الأنظار، بل ويستحوذ على قلوب وعقول الكثيرين، و يهيمن على أوقاتهم، ويستأثر باهتمامهم، في وقت أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي في متناول الجميع عبر تلك الأجهزة الذكية التي فرضت علينا أن نقضي أوقاتاً طويلة معها، وأن نحرص على العناية بها، وأن نبذل الجهد المضاعف لنكون في أمان حتى نستحق اقتناءها، وقد أصبحنا لا نستطيع الاستغناء عنها في الحلّ والترحال، ولكنّ تلك التقنيات ساهمت مع الوقت في إنتاج سلوكيات متأثرة بتكنولوجيا الإنترنت، ومعطيات العالم الافتراضي، وهو ما ان?كس على نسبة كبيرة من المستخدمين، الذين سعى معظمهم ليكونوا جزءاً من صناعة المحتوى في ذلك العالم، وذلك عبر الصوت والصورة وإمكانية البثّ المباشر، واستخدام خصائص اللايك والتعليق أو المشاركة.

لقد تنوعت التطبيقات الرقمية واستخداماتها، فاستهدفت بخدماتها المميزة فئات مختلفة من البشر، لما توفره لهم من مزايا تفوق الأحلام، فأصبح ثمّة عالم مختلف تسوده علاقات افتراضية، تحكمها مقاييس رقمية وحدات قياسها هي نسب المشاهدة والمشاركة وأعداد المتابعين، ليكون عنصر الحرية شبه المطلق الأكثر جذباً إلى هذا العالم، فكلمة الرقابة تكاد تنحصر في بعض المحظورات أو حقوق الملكية الفكرية على تلك المنصة أو تلك، مما فتح مجالاً واسعاً للكثيرين للتعبير عن آرائهم ورغباتهم ومواهبهم واهتمامهم وحتى همومهم، فهذا العالم يوفر أوقاتاً ?ثالية من الاسترخاء والطموح والشهرة والعوائد المادية، مقابل المحتوى المُقدم، وهو ما أغرى عدداً لا بأس به من الأفراد لركوب الموجة، فأصبح الزخم التي تحظى به منصات التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة لانتشار فئة من المشاهير الذين أصبح يُطلق عليهم لقب «المؤثرون» بصرف النظر عن نوع التأثير والأثر الذي يتركونه في متابعيهم الذين تتجاوز أعدادهم الملايين بشكل غير مسبوق.

لا يمكن إنكار دور بعض صانعي المحتوى في تقديم المضمون العلمي والمعرفي الجادّ، والذي ساهم في بثّ رسائل توعوية ساعدت في صياغة حياة أكثر إشباعاً وتوازناً، الأمر الذي يُصنّف في خانة إيجابيات ذلك العالم المليء بالمغريات والأضواء، بالمقابل فإنّ مساحة الحريّة الكبيرة المتاحة في العالم الرقمي أسهمت في جذب البعض من صنّاع المحتوى الذي يمكن وصفه بالفارغ، أو الهابط، أو المبتذل، وهو في معظمه قائم على الاستعراض، و التزييف، والكذب، وخداع المتابعين، وفي نهاية المطاف فإنّ ذلك المحتوى لا يُضيف للإنسانية قيمة تتناسب طردياً مع?حجم ومستوى الشهرة التي يتمتع بها منشئو ذلك المحتوى، والأخطر أنه لا يتناسب مع حجم الأثر الذي أحدثه بين صفوف المتابعين الذين بلغ بهم الأمر حدّ البكاء لمجرد أن يشاهدوا أحد أولئك المؤثرين، أو تكبّد عناء اللقاء به أو السلام عليه إذا ما تكرّم على محبيه ومريديه ونظّم لهم حدثاً لرؤيته في عالم الواقع الاعتيادي.

يمكن القول إنّ كثيراً مما تزخر به منصات التواصل الاجتماعي جنح بعيداً عن الأهداف الإنسانية في الارتقاء بالعنصر البشري، والبلوغ به إلى حيث يستحق مهمة الاستخلاف وعمارة الأرض، فالأصل في مهمتها أن تساهم في نشر الوعي، وتعميق الإدراك المعرفي بصورة تعبّر عن الرسالة الإنسانية بكل محتوياتها الراقية والهادفة، بهدف تحقيق المزيد من التقدم المستحق للبشرية.

إنّ المحتوى القيّم يستحق الإشادة والثناء، وقد سخّر صانعوه العلم والجهد في تقديمه بشكل لا يختلف المجتمع على تقديره، ولكنّ السؤال الذي يُثير المخاوف يتركز حول الأسباب التي تدفع بأعداد هائلة من الأفراد لمتابعة محتوى يتصف بالسُخف والتفاهة، وهو في أصله مبني على الكذب واصطناع المواقف في محاولة للاحتيال على عقول المتابعين، وهل يعتبر ذلك مؤشراً على انحدار الذوق العام، وتدني مستوى الوعي الفكري، واختلال معايير التميّز لدى هؤلاء المتابعين، وهل يفعل ذلك المحتوى في منظومة القيم فعل عوامل الحتّ والتعرية في الصخور، وقد أحدث شرخاً قد يتوسع مع مرور الوقت، مُخلّفاً وراءه تغييرات جذرية في طريقة الحياة وسلوكيات الأفراد.

جميع ما ذُكر يُعتبر تساؤلات مشروعة، وهي بمثابة نواقيس الخطر التي تستهدف علماء الاجتماع، وأخصائيي علم النفس، وغيرها من الاختصاصات التي تُعنى بالسلوك الإنساني، فسلوك الأفراد في ظلّ هيمنة التطبيقات والمنصات الرقمية أصبح لافتاً للانتباه، فالطريقة التي يسعون من خلالها لتقديم ذواتهم عبر تلك المنصات؛ تعكس منهجية التفكير التي يتفاعلون من خلالها، بحيث أصبح التفاعل مع تلك التطبيقات هو المعيار الذي يحتكم إليه الأفراد في الواقع وليس عكس ذلك.

إنّ مواقع التواصل الاجتماعي تُسهم في أسلوب عرض وتكرار المواد المقدمة من خلالها، مما يوفر لها حجماً يفرض مشاهدتها في مختلف الأوقات المتاحة، فبينما يحتاج المحتوى القيّم إلى وقت أطول، فإنّ المحتوى الفارغ تتمّ متابعته في لحظات، خاصة في أوقات الفراغ - وما أكثرها - بين فئة الشباب واليافعين والأطفال، و لا شكّ في أنّ الجمهور يلعب دوراً مؤثراً في ذلك من خلال تداول الفيديوهات، ونشرها بين الأصدقاء، وهو ما يشكّل دافعاً لصنّاع ذلك المحتوى لابتذال المزيد لإرضاء متابعيهم، غير آبهين بما يتركه ذلك في سلوك النشء، ومنظوم? القيم الأخلاقية.

إنّ المسؤولية الكبرى تقع علينا كمستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بضرورة النأي عن مشاهدة المواد التي تتضمن محتوى لا يرتقي لمستوى متابعته لافتقاره القيمة المطلوبة، فتجاهل مثل هؤلاء من صناع المحتوى المليء بالخواء يحدّ من امتدادهم، ويحول دون تقليدهم، فالخطورة تكمن في أنهم قد يصبحون قدوة للأجيال القادمة، وعاملاً محتملاً لتدني المستوى الثقافي، والخوف الأكبر أن تتحول مجتمعاتنا من المحاسبة على السلوكيات، ومدى الالتزام بالعادات والتقاليد، إلى تقييم حجم التفاعل على المنصات الرقمية.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF