في صحيفة واحدة وفي يوم واحد من الشهر الماضي ظهرت بالصدفة ثلاثة أنباء غرائبية الطابع وتدخل في باب اللامعقول من حياتنا وتشي بإنكار ذاكرة القرّاء، الاول عن «الجلوة العشائرية» وقرار وزير الداخلية بإيقاف تطبيقها مع ان البعض يتذكر جيداً انها أوقفت قبل هذه المرة عام ١٩٧٦..!
والثاني عن «بركة البيبسي» وقُرب تنفيذ مخططات تجفيفها التي بُدئ بوضعها في ثمانينات القرن الماضي وتبدلت عدة مرات دون اسباب مقنعة!
والثالث عن ممارسة آلاف الأطباء لمهنتهم خلافاً للقانون ليس لارتكابهم أخطاء طبية فادحة بل لعدم تسديدهم رسوم النقابة! وهي جميعها لا تشكل قضايا طارئة فتاريخها طويل لكن التعامل معها والتصدي لحلها ظل يتسم بالخوف والتردد في الاولى وبالتقلب الاداري وشبهات الفساد المالي في الثانية أما في الثالثة فبالتمسك بالعضوية الإجبارية المنافية لحقوق الانسان، ونظراً لضيق المقام سوف أقصر حديثي اليوم على مشكلة الجلوة العشائرية وهي جزء من إرث ما سُمِّي زوراً «قانون» العشائر وما هو بقانون!
فقد كان سائداً دون ان يكون مكتوباً مع باقي القوانين المرعية، وكان مطبقاً لخدمة أغراض معروفة لكن غير معلنة حسب ظروف المنطقة عند تأسيس الدولة الاردنية قبل مئة عام، وبقي كذلك عدة عقود وتحوّل مع الزمن الى عقبةٍ في طريق التقدم وعَوارٍ يتصادم مع العقل وعلوم العصر، الى ان جاءت حكومة حملت قناعة مخالفةً له فقامت بإلغائه عام ١٩٧٦ وقال الناطق باسمها يومئذٍ بالحرف الواحد: (هذا القانون صدر عام ١٩٢٢ في زمن كان المستعمر يفرض نفوذه على البلد، وفي جو تسوده الفوضى والنهب والسلب)، ومع ذلك بدأ الاردنيون يلاحظون ان الحكومات ال?الية أخذت تتراخى امام ضغوط المستفيدين من فرضه على الناس حتى ان بعض اجهزتها عادت لمراعاته على استحياء اول الامر ثم جهاراً نهاراً فيما بعد رغم المآسي الانسانية الصارخة التي نتجت عن ذلك في كثير من الحالات، ويبدو الآن ان الظلم الاجتماعي الفادح الذي أوقعته الجلوة تحديداً في صفوف الأقرباء الأبرياء قد طفح كيله حتى اضطرت الحكومة الحالية وبعد مرور خمس واربعين سنة على الالغاء المنتكس ان تعيد النظر كي تخفف من غلوائها ثم تجد ان من الأفضل إلغاءها تماماً، وهنا آمل ألا يزاودن أحد على الآخر بعنجهية الدفاع عنها فكلنا بدهيا? أبناء عشائر صغرت ام كبرت، لا نختال على غيرنا ولا نصعّر خدنا للناس ولا يتفوق احدنا الا بما يقدم ويعطي لوطنه والإنسانية، وفضلنا الحقيقي يتبدى ساطعاً حين نحترم بإخلاص مبدأ «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، وحين نحتفي بالتقاليد العشائرية الحميدة وليس بالمحسوبية من خلالها والتمييز باسمها، فكلنا حسب الدستور سواسية وينبغي ألا نقبل بديلاً عن السلطة القضائية الدستورية.
وبعد.. فمع ترحيبنا مرة اخرى بهذا القرار الشجاع نتساءل بوجل: ما الذي يجعلنا واثقين مطمئنين الى ان القانون الآفل لن يتسلل الى مجتمعنا مرة ثالثة مع اننا لا نعرف دولة في عصر حقوق الانسان.. تطبقه!
مواضيع ذات صلة