كتاب

الهائمون على وجوههم.. فـي الشوارع!

هؤلاء المشردون الهائمون على وجوههم في الشوارع يبحثون عن رصيف يأوون اليه، المطرودون من بيوتهم او المهددون بالطرد، وبموجب القانون، ليسوا من مواطني بلد أفريقي فقير بل الولايات المتحدة أغنى بلد في التاريخ، ويبلغ عددهم حسب آخر إحصاء اكثر من احد عشر مليوناً، ومأساتهم ليست حديثة العهد بل قديمة تتفاقم جيلاً بعد آخر بسبب فشل الإدارات الاميركية المتعاقبة في حل مشكلتهم التي تغلي الآن في مرجل الكونغرس انتظاراً لإصدار تشريع يلغي أوامر اخلائهم من مساكنهم، وتتبنى قضيتهم بقوة في المجلس السناتورة الصومالية الأصل إلهان عمر ?قد شرحتها بإسهاب في كتابها الاخير «هذه اميركا على حقيقتها/ رحلتي من لاجئة الى عضو في الكونغرس»، وكذلك تفعل النائبة كوري بوش الافريقية الاميركية التي شاركت في اعتصام المتظاهرين وقضت أربعة ايام بلياليها جالسةً على درج مدخل الكونغرس احتجاجاً على الظلم الفادح الذي يسببه قانون المالكين والمستأجرين المطبق في اكثر الولايات ويعطي المالك حق طرد المستأجر بواسطة الشرطة لو تأخر عن دفع الأجرة يوماً واحداً! وهو قانون لا إنساني بدأ كبار المالكين المتنفذين عندنا السعي لإدخاله على تشريعنا في المجلس الوطني الاستشاري منذ أرب?ين عاماً بحجة ان اميركا وبعض دول الخليج تطبقه! هذا بعد ان كان المجتمع الاردني ينعم باستقرار في العلاقة القانونية المتوازنة بين المالك والمستأجر منذ إنشاء الدولة، وقد واصلوا مساعيهم عبر المجالس النيابية والحكومات حتى نجحوا في عام٢٠٠٠ (حكومة علي ابو الراغب) تحت غطاء «العقد شريعة المتعاقدين» حيث الشروط الابتزازية الشايلوكية يضعها الاقوى وهو هنا المالك!

لا انوي اليوم العودة للكتابة حول هذا الموضوع الذي تعبتُ في التصدي له منذ البداية في سلسلة مقالات ولم أتوقف الا قبل عشر سنوات تقريبا وقد توالت التعديلات الممعنة في الانحياز للمالكين رغم تحذيري المتكرر بانها سوف تؤدي مستقبلاً لطرد المستأجرين من بيوتهم الى الشوارع مستشهداً بما يحدث ومنذ زمن في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي تتبنى نظام اقتصاد «السوق» كما يريده الليبراليون الجدد لا كما حاول كنيزي احد كبار اساتذة الاقتصاد الرأسمالي أن يلطف من غلوائه بعد الأزمة المالية العالمية الكبرى في ثلاثينات القر? الماضي ليصبح أقل قسوة لكنه أُحبط حد اتهامه بالشيوعية!

اما ما يحدث عندنا الآن فيبدو للبعض غريباً اذ دارت الدوائر على كثير ممن ايدوا تعديل القانون لمصلحتهم في رفع ايجارات عقاراتهم وكانوا يغضبون من مقالاتي، وأصبحوا تجارا «يستأجرون» محلاتهم من «مالكين» يهددونهم بالطرد إذا لم يدفعوا اجرتها بعدما رفعوها اضعافاً مضاعفة ما قد يؤدي الى إفلاسهم، لكن المختلف هذه المرة ان «تنظيماً» يدافع عنهم وعن قضيتهم ممثلاً بغرفة التجارة التي تشن حملة واسعة لرأب الخلل في القانون وتعديله «لإنقاذ الاسواق من الخراب ومنع هروب الاستثمارات من الاردن».

وبعد.. مع ذلك فاني من حيث المبدأ أقف اليوم مع هؤلاء التجار!