كتاب

قراءة في الواقع اللبناني

إن القارئ للمشهد السياسي الاقتصادي في لبنان لن يحتاج للكثير من التفكير والتحليل والتدقيق والتمحيص لتلمس الأزمة الحقيقية التي يعاني منها اللبنانيون والتي باتت تؤثر على كافة تفاصيل حياتهم اليومية المعاشة. لقد توالت الأزمات على الاقتصاد اللبناني فكان لكورونا نصيب منها، بالاضافة إلى انفجار مرفأ بيروت العام الماضي الذي خلق أزمة أخرى جديدة وخسائر فادحة، لكن الأزمة الحقيقية بالفعل هي أزمة سياسية، اقتصادية واجتماعية، باختصار إنها أزمة نظام بامتياز. فالواضح أن الحكومات المتعاقبة لم تفلح في إيجاد سياسات دعم مالي عبر تبني استراتيجية واحدة شاملة ما أدى لتدهور حاد في الأوضاع المعيشية للبنانيين.

إنها أزمة إنسانية، ففي بلد تعتبر المكونات الأساسية للعيش نوعاً من الرفاه الاجتماعي يكون حجم المعاناة كبيراً ويفوق الاحتمال، فها هو المواطن اللبناني يناضل من أجل تأمين اليومي والضروري مع عدم توفر الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء بالاضافة إلى ازمة الطاقة والوقود وتدهور القطاع الصحي وعدم قدرة هذا القطاع على تأمين وتلبية وسد احتياجات المرضى من الأدوية الأساسية أو المزمنة التي يحتاجونها.

إن التقاعس المستمر في تنفيذ سياسات إنقاذ وغياب السلطة التنفيذية عن أداء مهامها يعمل على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسلم المجتمعي. واليوم يرزح أكثر من نصف اللبنانيين تحت وطأة خط الفقر مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى ما يقارب 21 ألف ليرة لبنانية، وارتفاع معدلات البطالة، والانكماش الاقتصادي المتزايد، مع زيادة الفساد المالي وصعوية المعيشة مما يدعو اللبنانيين للتفكير جدياً في الهجرة كحلٍ مرحلي.

إن تبني سياسة الحوار ما بين الأحزاب والفصائل ضروري للغاية في هذه المرحلة للقيام بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية من أجل إحداث تحول جذري للنهوض بالاقتصاد اللبناني. وبالمقابل فإن صندوق النقد الدولي كان قد أبدى استعداده لتوزيع مخصصات حقوق السحب الخاصة بمبلغ 860 مليون دولار من أجل زيادة احتياطاته التي استنزفت وكذلك لتلبية الاحتياجات الطارئة للبنانيين في هذه المرحلة. ومن الأهمية في مكان أن يتم استخدام حقوق السحب الخاصة بطريقة وازنة وحكيمة مع ضمان الشفافية والمساءلة لأن هذه المخصصات تعتبر مورداً قيماً في الوقت الراهن يجب توزيعها بما يحقق الاستفادة القصوى للشعب اللبناني.

وتبقى الحاجة اليوم لوجود حكومة عاملة تتمتع بالصلاحيات المطلقة للإصلاح وتنشيط الاقتصاد المتضرر عبر تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد واستكمال تدقيق مصرف لبنان والعمل على تطوير قطاع الطاقة. إن إعادة هيكلة الديون والاصلاحات مرتبطة بتنفيذ استراتيجية شاملة للمالية العامة فالاعتراف بخسائر البنوك الخاصة ومصرف لبنان وتحديدها يوفر الحماية لصغار المودعين وعدم تكبدهم تلك الخسائر بوصفهم الحلقة الأضعف. وهنا فإن وجود نظام موثوق للنقد والصرف يرتكز على توحيد أسعار الصرف. برأيي، يتوجب على السياسيين اللبنانيين التوافق على تشكيل حكومة جديدة بسرعة لقيادة هذه المرحلة الحرجة عبر تنفيذ الاصلاحات والحفاظ على الأمن الاقتصادي والاجتماعي اللبناني.

ziadrab@yahoo.com