يتحدث كثيرون عن حصاد طاقة الرياح وطاقة المياه وطاقة النبات والطاقة الذرية؛ لكن آن الأوان للحديث عن حصاد الطاقة الشعبية.
الناس في مجتمعنا، أكثر من أي وقت مضى، مهتمون بالقضايا: الاقتصادية والتربوية والسياسية والمجتمعية والعلمية والحياتية وغيرها.
وهذا تطوّر إيجابي، إذ كنا نشكو في الماضي من عزوف الناس وعدم اكتراثهم.
الآن، وبسبب تعاظم وسائل التواصل والتعبير، أصبح الكل تقريباً منخرطاً ويعبّر عن رأيه وبقوة في العديد من القضايا التي يعتقدون بأنها تهمّهم وأن لها أثراً في حياتهم.
والعديد منهم يقترح آراء وأفكاراً قيّمة على العديد من الأبعاد؛ ومن وجهة نظرنا فإن كلّ رأي يطرح، بغض النظر عن سطحيته أو عمقه، مفيد.
وانخراط الناس في القضايا أمر مهم للغاية لأن البرلمانات والحكومات هي أصلاً ممثلة للناس، أو يجب أن تكون، وتعبّر في نهاية المطاف عن تطلعاتهم وآمالهم، وانخراط الناس وتفاعلهم يُحفّز ممثلي الشعب ويحفّز الحكومات على بذل قصارى الجهود لتحقيق المطلوب.
أما تقاعس الناس أو عزوفهم أو عدم اكتراثهم فيؤثر في الحاكمية سلباً ويؤدي إما إلى التراخي أو إهمال قضايا الناس وبالتالي تفاقم المشكلات وتراكمها وتراجع المجتمع.
نعم طاقة كبيرة يشهدها مجتمعنا الآن من قبل جميع الفئات والشرائح السكانية.
والسؤال الذي يُطرح هنا: ما دام الناس مهتمين ومتابعين ومنخرطين، لماذا لم يحدث المرجو بعد؟
وهنالك عدة أسباب لا شك، من أهمها أن الجهات المعنية–البرلمان والحكومة بالذات–لم تستجب لما يُطرح ولم تستثمر هذه الطاقة غير المسبوقة، وإن استجابت فإن استجابتها كانت إما جزئية أو دون مستوى الطموح.
وغياب الاستجابة له عواقب غير محمودة، فالطاقة الشعبية غير المُستثمرَة قد تذهب هدراً أو ينجم عنها التنافر والاختلاف، إن تركت دون إدارة، فتؤثر على تقدم المجتمع سلباً أو تُصيب أمنه واستقراره في مقتل بسبب الفوضى الناجمة عنها، والتي أشبه ما تكون بمياه الأمطار الغزيرة التي تصبح فيضاناً مدمراً إذا لم تنظم في وديان وأنهار وسدود وبحيرات وأنابيب.
كانت هنالك عدة محاولات لا شك في السنوات الماضية لاستثمار رأس المال الذهني الشعبي هذا، لكنها لم تنجح مع الأسف أو لم تكن كافية.
ولعلّ الخطوة الرائدة والمهمة التي اتخذها جلالة الملك مؤخراً بتشكيل «اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية» أتت في وقتها لتستثمر الطاقات الشعبية واللحظة التاريخية بهدف إحداث الإصلاح والتغيير المرجوين، والمنتظرين من سنوات.
أملنا أن تكون اللجنة على قدر التحدي وينجم عن مداولاتها ولجانها التي بدأت تلتئم خطة عملية قابلة للتنفيذ، تكون بمثابة خريطة طريق يهتدي الناس بهديها وتُفلح في توجيه الطاقات المجتمعية في الاتجاه الصحيح، وهذا من أهم المطلوب منها.
وأملنا كذلك أن يتعدى عمل اللجنة المنظومة السياسية، لأن هنالك أبعاداً ومطالب في القطاعات المختلفة بحاجة إلى استجابة وحلول وتنظيم طاقات يعتبرها أصحابها أهم من المطالب السياسية. وبعد، في عصر الحديث عن حصاد الطاقة في سياقاتها المتعددة، لا بد أن يأخذ حصاد الطاقات الشعبية الأولوية التي يستحق.
حصاد الطاقة الشعبية
11:24 19-6-2021
آخر تعديل :
السبت