شكلت توجهات ديوان الخدمة المدنية المضي نحو تعيين الموارد البشرية في الجهاز الحكومي وفق معيار الكفاءة والقدرة على انجاز المهام بعيدا عن مفهوم التنافسية والاقدمية لشغور الوظيفة الحكومية تباينا، بالرغم من توقفها امتثالا لاوامر الدفاع (15) للعام 2020 بسبب جائحة كورونا ولاشعار اخر.
اذ وجد البعض ان التنافس المبني على الاقدمية هو الحل الوحيد لحل مشكلة البطالة وبشكل يحفظ الحقوق ويحقق العدالة، بينما رأى اخرون بضرورة اتباع معيار النوعية والكفاءة الكوادر الوظيفية بشكل يسهم في تطوير نوعية وجودة خدمات الجهاز الاداري في القطاع العام.
خبراء طالبوا بضرورة تنفيذ استراتيجية وطنية لاختيار الاكفأ عند التعيين، احتكاما على معيار الجدارة والإستحقاق والية ادارة القدرات، بما ينسجم و الرؤية الملكية فيما يخص تطوير الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن الاردني بمختلف اماكن تواجده.
ديوان الخدمة المدنية شدد على ضرورة استقطاب الكفاءة على حساب التنافسية والذي سيجري العمل به تدريجيا لاجل تقديم افضل خدمة في القطاع العام، ويجنب المؤسسات من مواجة التحديات والعثرات بسبب قصور القدرات الفردية لدى العاملين.
خبير الإدارة الحكومية د.عبدالله محمد القضاه أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الادارة العامة الاسبق قال: «لابد من أدراك أن هيبة الدولة من هيبة مؤسساتها العامة وقوة هذه المؤسسات تعتمد على كفاءة وإنتماء مواردها البشرية».
واشار القضاه الى «ضرورة التحول الإستراتيجي في تطبيق إدارة الموارد البشرية والتخلص من الأدوات التقليدية، علينا الإدراك أن هيبة الدولة من هيبة مؤسساتها العامة وقوة هذه المؤسسات تعتمد على كفاءة المورد البشري بالدرجة الاولى».
واكد القضاه ان «الأساس في ادارة الموارد البشرية يعتمد على التحديد الدقيق للإحتياجات الفعلية للموارد البشرية كما ونوعا حيث يحدد الطلب وفق الحاجة الفعلية المنبثقة من استراتيجية المورد البشري، الامر الذي يتطلب الاشراف بشكل دقيق على تحديد الأحتياجات من منظور الكفاءة الوظيفية والجدارة والمهارات الاساسية وتنمية المعارف والسلوكيات اللازمة لشغل كل وظيفة وعكسها على ارض الواقع».
وشدد القضاه بضرورة الانتقال نحو التعيين بناء على الجدارة والإستحقاق وتكافؤ الفرص من منظور إدارة المواهب وليس إدارة الأفراد، حيث تقوم وحدات الموارد البشرية بالإعلان عن الوظائف الشاغرة وفقا لبطاقات الوصف والمواصفات المعتمدة، على أن يتم إعلان النتائج بشكل شفاف لجميع المعنيين على ان يمنح كل مرشح الفرصة الكافية للتظلم في حال الشعور بعدم العدالة او الاخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بعد التاكد من شغور المقعد سواء على مستوى المحافظة او الاقليم والتي بدورها تمكن الجهاز الحكومي من الإستغناء عن نظام الدور والأقدمية كون ذلك يتعارض مع المبادىء العالمية للتوظيف والتي تم إيرادها كمبادئ مرجعية في نظام الخدمة المدنية الأردني.
مشيرا الى توجه العالم نحو ادارة المواهب والتوظيف بناء على الإحترافية والإبداع والإبتكار، الا ان مطالب ماتزال تتمحور حول إعتماد الأقدمية الذي لوحظ ترهل القطاع العام وتدني إنتاجيته وكفاءته.
وبين القضاه بانه من غير المستطاع أن نحقق الرؤية الملكية فيما يخص تطوير الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن، الا من خلال إستقطاب أفضل الكفاءات الوطنية للوظيفة العامة، والتي تعتبر تحدي كبير للخريجين بأن يسعوا على إمتلاك أفضل المعارف وإكتساب المهارات اللأزمة للحصول على الوظيفة العامة والإستمرار بها والتقدم الوظيفي.
الامين العام الاسبق لرئاسة الوزراء الدكتور هيثم حجازي قال ان «التغييرات التي طرأت في مجال الادارة بشكل عام، وفي مجال الادارة الحكومية في مختلف دول العالم اقتضت تحول ادارة الموارد البشرية من نظام الاختيار والتعيين التقليدي الى نظام الاختيار والتعيين القائم على الجدارات».
واضاف ان «فكرة تحول الاختيار والتعيين في الاردن لتصبح قائمة على اساس الجدارات والكفاءات ليست جديدة، فقد تم طرحها سنة 2011، لكنها جوبهت في تلك الفترة بمعارضة من قبل مجلس النواب القائم آنذاك، وقد تم الآن إعادة إحياء تلك الفكرة».
واكد حجازي ان «الادارة الحكومية يجب ان لا تتوقف عند مرحلة تقديم الخدمة فقط الى المواطن، وانما يجب تقديم تلك الخدمة بأعلى جودة، وبأسرع وقت، وبأقل كلفة وجهد، وهو ما تحتاجه الدوائر والمؤسسات بهدف رفع مستوى رضا المواطن عن الخدمات المقدمة له، لتقديم افضل الخدمات للمستثمرين، ومثل هذا الامر لا يتحقق الا من خلال وجود موارد بشرية عاملة في القطاع الحكومي تمتلك الجدارات التي تؤهلها للنهوض بهذا القطاع».
واوضح ان «الاختيار والتعيين على اساس الجدارات تقوم على مبدأ اتاحة الفرصة امام جميع المتقدمين بطلبات توظيف لدى ديوان الخدمة المدنية بالتنافس على الوظائف الشاغرة حسب التخصص المطلوب ولكن ضمن المنطقة الواحدة، وهي بذلك تلغي فكرة الدور، وثقافة الانتظار، وتتيح للجميع التنافس على الوظيفة، ويتم اختيار وتعيين الأكفأ ومن تنطبق عليه متطلبات اشغال الوظيفة بغض النظر عن اقدمية التخرج والتقدم بطلب التوظيف، وهي في الوقت نفسه تساعد على اختيار الكفاءات التي تسهم في تطوير القطاع العام. فليس المهم التعيين فقط وانما النوعية ايضا، وهذا سوف يدفع بجميع الخريجين وبالمؤسسات التعليمية الى اعطاء اهمية لقضية الجدارات، وتدفع بالخريجين انفسهم الى تطوير مهاراتهم ومعارفهم بشكل مستمر».
ولذلك فان الاختيار والتعيين على اساس الجدارات يكون له أثر ايجابي في تحسين مستوى الخدمات المقدمة، وهو جزء اساسي ورئيسي في عملية اصلاح القطاع العام وتطويره.
بدوره اكد رئيس ديوان الخدمة المدنية سامح الناصر في تصريحات سابقة لـ"الراي» ان العمل العام يتطلب الإرتقاء بنوعية المدخلات البشرية في القطاع العام يستوجب من مؤسسات التعليم العالي التعاون مع ديوان الخدمة المدنية لتوجيه طلبتها نحو وظائف المستقبل والتعليم المستمر مع ضرورة منح الافراد فرصة التدريب الميداني في المؤسسات الحكومية قبل التخرج.
واضاف الناصر يتطلب دعم معهد الإدارة العامة ليتمكن من تقديم تدريب مهاري للخريجين لتهيئتهم لولوج الوظيفة العامة بناء على الجدارة والاستحقاق والتنوع المهاري بعيدا عن آلية الأقدمية والدور التي ساهمت الى حد كبير في تراجع كفاءة الادارة العامة ومستوى الخدمة المقدمة.