أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
[email protected]
تطرق العلماء والباحثون إلى عددٍ من التعريفات المتنوعة لمصطلح ادارة الوقت Management Time، فقد عرفه سعادة على أنه عبارة عن تلك المهارة الفكرية التي تستخدم من أجل الحصول على أفضل استغلال للوقت المرتبط بواجباتٍ أو مهامٍ أو أعمالٍ محددة، وذلك لتحقيق أهدافٍ شخصية أو وظيفية متنوعة. أما جوسيلا Jussila فقد عرفه على أنه يمثل المهارة التي تساعد الفرد على إدارة وقته من أجل إنجاز مهامه والوصول الى أهدافه، بينما يستمر في ايجاد الوقت الكافي لنفسه كي يعيش بنشاط وحيوية.
وطرح بايشل Pychylتعريفاً لمفهوم إدارة الوقت على أنه تلك القدرة على تخطيط وتنظيم كيفية صرف الساعات خلال اليوم الواحد، وذلك من أجل الوصول إلى الفاعلية الأعلى لتحقيق الأهداف المرسومة، وأن التخطيط السيء لإدارة الوقت ربما يرتبط كثيراً بعملية المماطلة أو التأجيل من جانب الفرد، جنباً إلى جنب مع المشكلات المرتبطة بمسألة الانضباط الذاتي لذلك الفرد، وأن المهارات المرتبطة بإدارة وقت الفرد تشمل التخطيط للمستقبل، ووضع الأهداف المنشودة، والأولويات الضرورية، وتنظيم كيفية استثمار الوقت الحقيقي طيلة اليوم.
ونظراً لأهمية هذه الاستراتيجية واتساع مجالها، فلا بد من توضيح العديد من جوانبها المتنوعة، حيث يقتصر هذا المقال على بيان أهميتها، وعلاقتها بمهارة ترتيب الأولويات، وتحديد قواعد الإدارة الناجحة والمرغوب بها للوقت. فمن حيث أهمية إدارة الوقت للفرد، نجد أنها تعمل على زيادة قدراته على التعلم بشكلٍ أفضل، ما دامت عملية تنظيم الوقت تسمح له بامتلاك الحرية للتعامل مع الأشياء التي يريد التفاعل معها، وتفيد في أيضاً في تنفيذ كلٍ من الواجبات أو الأعمال الضرورية في الزمن المحدد لها، وتساعد في تحديد الأولويات وإنجاز المهمات في الأوقات المخطط لها، والاستفادة من الوقت الضائع والعمل على استغلاله بشكلٍ أكثر فاعلية، ودعم الفرد للتغلب على المشكلات الناجمة عن الإجهاد في العمل أو الاحباط من الظروف المحيطة به، وتؤدي إلى تقليص الزمن المطلوب لعمليات الانتاج وإنجاز المهمات، مع التخفيف من ضغوط العمل أو الدراسة، وإيجاد الوقت للراحة وممارسة الأنشطة والهوايات المختلفة، وتدريب الأفراد على مبدأ التنظيم الذاتي للوقت، وحساب المهدور منه على مدى اليوم أو الأسبوع أو الشهر، بالإضافة إلى كون الوقت يمثل مورداً غير قابلٍ للتخزين، مما يجعل تنظيمهُ ضرورياً للغاية، وكون الوقت يمثل مورداً شديد الندرة، مما يحتم على الفرد الاهتمام به والعمل على تنظيمهِ، وكون الوقت غير قابل للتعويض أو الاستبدال، مما يحتم تنظيم عملية استغلاله بشكل سليمٍ وأكثر فاعليةٍ.
أما عن ترتيب الأولويات وعلاقتها باستراتيجية إدارة الوقت ذاتها، فإنها تتم في العادة عن طريق وضع الأشياء أو الأمور أو المهام أو الواجبات أو الأعمال المرغوب القيام بها في ترتيبٍ زمنيٍ معين، حسب أهميتها أو حسب الوقت الضروري لإنجازها. والأولوية Priority كلمة تشير الى شيءٍ ما أو مهمةٍ معينةٍ أو عملٍ محددٍ يتطلب من الفرد اهتماماً قبل غيره من الأمور، بحيث يتم الانتقال فيه من مجال التمنيات والآمال الى ميدان الأفعال الواقعية، مشفوعاً بالقرار المناسب للقيام به، والوقت الأمثل الذي يتم تخصيصه لعملية التنفيذ. ولترتيب الأولويات كذلك أهمية تربوية وحياتية، تتمثل في أنها تسمح للفرد باتخاذ القرارات التي تتطلب تنظيماً أو ترتيباً معيناً، يأخذ في الحسبان الأمور المختلفة، والمعلومات المتوفرة، والأنشطة المتنوعة، كما أنها في الوقت نفسه تزود الأفراد بالخيارات المهمة، التي يتم في ضوئها اتخاذ القرارات المناسبة للقضايا أو الأمور المختلفة.
وحتى تكون إدارة الوقت ناجحة بالمستوى المطلوب، فإنه لا بد من مراعاة عدد من القواعد المهمة التي تتمثل أولاً في ضرورة مراجعة الأهداف والخطط والأولويات. فالأهداف هي التي تحدد المسار المناسب لاستغلال الوقت بفاعلية كبيرة، ولكن قد تحول الظروف أو الإمكانيات دون تحقيق بعضها، مما يستوجب من الراغب في إدارة الوقت بنجاح أن يراجع هذه الأهداف ويحدد ما لم يتم تحقيقه لوضعه في الحسبان للتنفيذ ضمن الوقت المتاح. أما عن مراجعة الخطط، فهي عملية أساسية أيضاً، لأنه قد تطرأ لدى الفرد فكرة أو مجموعة من الأفكار الجديدة يمكن إضافتها، أو قد تبدو بعض الأفكار الموجودة في الخطة الأصلية بحاجةٍ إلى تعديلٍ، أو حذفٍ أو إضافةٍ، في ضوء معطياتٍ أو ظروفٍ جديدةٍ أو طارئة. وتبقى مراجعة الأولويات أمراً حيوياً، إذ ينبغي القيام بإنجاز أكثر الاشياء أو الأعمال أهمية أولاً، وبخاصةٍ إذا تبين أن تأخيرها يؤدي الى خسارةٍ ماديةٍ أو معنويةٍ أكثر من غيرها، أو أن مردود إنجازها مبكراً يكون أكثر من مردود إنجاز غيرها من الأمور أو الأعمال، مع ضرورة الاحتفاظ ببرنامج عملٍ معينٍ أو خطةٍ زمنيةٍ محددةٍ من أجل تجنب العشوائية والارتجالية في العمل، ومن أجل استثمارٍ فعّالٍ للوقت المتاح، فإنه لا بد من وجود برنامج عملٍ محدد الخطوات، على أن يُرفق به خطة زمنية دقيقة بتواريخ بداية ونهاية، وذلك لإنجاز كل مهمةٍ من المهمات المطلوبة في برنامج العمل، سواء تلك التي تتطلب وقتاً قصيراً للإنجاز، أو غيرها مما يحتاج الى وقتٍ أطول وربما في توقيت متأخر نسبياً عن غيرها، لأنها تتصف بالمهمات طويلة المدى.
ومن القواعد المهمة الأخرى ضرورة وضع قائمة إنجاز يومية، تتضمن جميع الأفكار التي ترد إلى الذهن، مما يتطلب تدوين ذلك في دفتر المذكرات أولاً بأول، حتى لا تتعرض للنسيان، بحيث تكون هذه القائمة جزءاً من الحياة اليومية. كما أن عدم وضع مثل هذه القائمة اليومية سوف يأتي الغد بمهامه وأعماله الأخرى، مما يؤدي الى تراكم هذا وذاك، وتتزاحم الأمور، مما يزيد من الإرباك والغموض والتوقف أحياناً عن الانجاز أو الانتاج. كل ذلك يحدث نتيجةً لتأخير عمل اليوم الى الغد، وتأجيل عمل الغد الى ما بعده، ويزداد التسويف والمماطلة في إنجاز المهام اليومية، وتزداد بالتالي المشكلات حدةً وصعوبة وتعقيداً. وهنا تظهر قاعدةً أخرى تتمثل في ضرورة استثمار الوقت الضائع، حيث يمر الفرد في العادة بالكثير من الأوقات الضائعة أو الهامشية التي لو عمل على استغلالها لزادت الانتاجية لديه. فعندما يذهب الى الطبيب منتظراً دوره يجد وقتاً يمكن استغلاله في قراءة بعض الموضوعات أو إنجاز وترتيب بعض الأوراق. وعند انتظار صعود الطائرة أو انتظار وجبة الغداء أو العشاء، أو الوقوف في الطابور لإنجاز معاملة من المعاملات الرسمية، فإن استغلال هذا الوقت فيما يفيد وينفع، يجعل الوقت ثميناً لكتابة بعض الأفكار أو إجراء اتصالات هاتفية مهمة، أو إجراء عمليات حسابية على الهاتف المحمول لأمورٍ مالية، أو قراءة مقالةٍ أو قصةٍ قصيرة من شبكة الانترنت على الجهاز الحاسوبي الصغير، أو قراءة بعض صفحاتٍ من صحيفةٍ أو مجلةٍ، أو إجراء حوارٍ هادفٍ مع من يجلس بالقرب منك، أو ترتيب بعض الأمور لمهمةٍ من المهمات الكبيرة، مما يؤدي إلى سرعة إنجازها في اليوم أو الأيام التالية، مما يرفع بالتالي من نسبة استغلال الوقت الضائع، كما يعود في الوقت ذاته بالفائدة على من يحسن إدارة الوقت الضائع. وتُعَدُ ضرورة التصرف بذكاء مع الحالات الطارئة، قاعدة من القواعد المهمة لإدارة الوقت، إذ أن الفرد يعيش في العادة ضمن جماعة، مما يؤدي إلى تداخل الظروف والمصالح مع الآخرين، بحيث تؤثر أحياناً بصورة سلبية على قائمة الانجازات المطلوب تحقيقها ضمن أوقاتٍ محددة. فمثلاً، ربما تتعطل السيارة التي تنقلك، ويضيع عليك الوقت الطويل نسبياً، والذي كان بالإمكان إنجاز مهمةٍ ما من خلاله، أو قد يزورك شخص أو مجموعة من الأشخاص دون موعدٍ مسبق، أو قد يقرع صوت الهاتف الخلوي كي يبلغك بوفاة عزيزٍ أو تعرضه لحادث سيرٍ، مما استدعى نقله الى المستشفى. وقد تنسى في البيت الوثائق الخاصة بمناقشة قضية من القضايا وأن رجوعك سيأخذ وقتاً إضافياً يكون على حساب إنجاز أمور معينة مخططٍ لها في الأصل. وهنا يكون لعنصر المفاجأة الوقع الأكبر في كل الحالات السابق ذكرها، وقد يرفع ذلك من نسبة التوتر النفسي، مما يتطلب من الفرد التصرف بحنكةٍ وذكاءٍ وهدوءٍ ومرونةٍ، تشجع على إعادة ترتيب الأولويات في ضوء الظروف الجديدة، مع الاستعداد لمضاعفة الجهد لتعويض ما ضاع من وقتٍ، أو تأجيل بعض الأمور الأقل أهمية والبدء بالأمور الأكثر أهمية. أما عن آخر هذه القواعد المهمة فتتلخص في ضرورة عدم الاستسلام للأُمور أو الحوادث العاجلة غير الضرورية. فالإنسان في العادة يعيش ضمن جماعة، يتعرض أفرادها للكثير من الأحداث أو المناسبات أو الظروف السارة وغير السارة. وهنا ينبغي أن لا تترك وقتك في يد الآخرين وما يمرون به من ظروف ولا سيما العاجلة منها. فمن صديقٍ قد تعرض لحادث سيارة، وآخر لديه حفل زفاف، وثالث توفي والده، ورابع يريد زيارتك، وخامس يطلب منك خدمة. وهنا ينبغي عدم الاستسلام لرغبات أو احتياجات أو ظروف الآخرين، بل لا بد من وضعها ضمن الأمور التي تحتاج إلى تصنيفٍ ضمن لائحة ترتيب الأولويات، وعدم الضعف أمام ما يدور حوله من ظروفٍ وأحداث، بل يضع في الحسبان الأهداف التي تم تحديدها من قبل، والأولويات التي لا بد من القيام بها، والفاعلية العالية في أداء المهام المطلوبة.