محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

أفكار على ضفاف مقال الأمير الحسن بن طلال

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
سامح المحاريق يستلزم التعامل مع كتابات سمو الأمير الحسن بن طلال التعرف أولاً على المنطلق الأساسي الذي ترتكن إليه أطروحاته، فالأمير مفكر يعتد به على المستويين العربي والعالمي، وكثيراً ما يكون فكره متجاوزاً لخلفيته الشخصية بوصفه عضواً في الأسرة الهاشمية، فيكون الفكر تعاملاً مباشراً مع القضية يعبر عن ثقافة صاحبه ومنظوره تجاه السياقات والحلول.

في مواضع أخرى تكون صفة الأمير متغلبة على صفة المفكر، فالخبرة السياسية العميقة، وتقدير الأمور من موقع المسؤولية واستحضار المصلحة العامة، يطغيان على تجرد الفكر ومغامرته.

وفي الحالتين، فالأمير لا يفتقد مكانة (الراوي العليم) بخبرة تتجاوز نصف القرن من الاشتباك مع مختلف مشكلات الأردن وقضاياه، والإقليم وعواصفه والعالم وتحولاته، وأمام هذه السنوات الطويلة مشاركاً في صنع القرار، ومطلاً على تفاصيل المشهد السياسي وكواليسه، تتوجب القراءة المتأنية لما يقدمه الأمير من منتج فكري.

نشرت $ الأسبوع الماضي مقالاً للأمير بعنوان «على عتبة المئوية الثانية للدولة» ليباغتني مباشرة السؤال أمام هذا الموضوع الكبير حول الأرض التي يقف عليها الحسن بن طلال، أميراً أم مفكراً؟ ولم تكن تنتصف القراءة حتى وصلت إلى قناعة مفادها أنه استجمع المنطلقين سويةً، وإن كان يميل في تعامله مع التاريخ إلى منطلق المفكر، ويضفي من منطلق الأمير عند الحديث عن المستقبل.

لا أستقصد قراءة ما كتبه الأمير، فالأمير يمتلك من ناصية اللغة والمنطق ما يجعل الشرح والتفسير لنصوصه أموراً غير لازمة، وجل ما يمكن أن أفعله هو الإفضاء ببعض الأفكار على ضفاف مقالته وأفكاره.

يتحدث الأمير عن التأسيس، مشيراً إلى أن إمارة شرق الأردن هي بين الأقدم في المنطقة، ويستذكر الولادة الصعبة التي شهدتها الإمارة لتصبح الثمرة المتبقية من المملكة السورية، والتعبير الأخير عن تصور النهضة العربية الذي حملته الثورة العربية الكبرى.

يمكن أن نناقش الأمير أن النهضة لم تكن المفهوم الأساسي لدى عموم العرب في الشام وجوارها، فالنهضة كانت مفهوماً فكرياً استطاع أن يتبناه الملك المؤسس عبدالله الأول وأنضجه في لقاءات كثيرة مع مفكرين قوميين مثل محمد عزة دروزة وعوني عبد الهادي، فخلافاً للصورة التي تم ترويجها كثيراً استناداً إلى مذكرات لورانس، فإن المنظر الأساسي للثورة والصوت العقلاني لإدارتها كان عبدالله الأول، ولحنكته السياسية دور كبير في مواصلة بناء إمارة شرق الأردن والحضور بمشروع الدولة، أما العموم في الأردن فكان سعيهم لتحقيق الكرامة والاستقلال?هو المحرك الأساسي لالتفافهم حول الثورة، خاصة أنها انطلقت بعد فترة زمنية وجيزة من مأساة سفربرلك ونفيرها الكبير، الذي وصفه المؤرخ العراقي عبود الشالجي بأيام الضيم والهلاك.

النهضة مفهوم يستوعب الكرامة والاستقلال داخله بكل تأكيد، ولكنه متجذر في العقد الاجتماعي الأردني بأكثر من تداخله مع أي منظومة نهضوية أخرى قامت في الوطن العربي، فالنهضة الناصرية مثلاً، وعلى الرغم مما حققته من تسارع في بناء مظاهرها لم تكن لتضع الفرد المصري والعربي بشكل عام في مرتبة متقدمة على سلم أولوياتها، أما الممارسة التي أطلقها الملك عبد الله الأول، والملك طلال، ومن بعدهما الملك الحسين بن طلال، فكانت الحصانة الحقيقية للدولة الأردنية وواسطة العقد الاجتماعي للمملكة.

أما وقد استدعينا العقد الاجتماعي، فربما المقال نفسه، يستعيد السؤال، ويستفيض في استعراضه، مع أن المقال لم يذكر العقد الاجتماعي بشكل مباشر، وإذا كانت النهضة في القرن العشرين بدأت من الاستقلال والكرامة وبناء الهوية والمؤسسات واثبات الوجود وتواصلت من خلال المنافحة والدفاع عن هذه القيم، فإن النهضة القادمة في القرن الحالي، يحددها الأمير بمجموعة من المعطيات من أهمها: «تحفيز الفرد على التفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والفجوات القائمة بين الفئات، بحيث يكون تحقيق العدالة والمساواة والحرية المسؤولة والواعية المزودة ب?لمعلومات والمعرفة نقطة الانطلاق في مجتمعات المئوية القادمة، دون النظر إلى المنابت والأصول أو الفوارق، وتعظيم روح المواطنة، وتقديم المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية»، ونكاد نلحظ أن النهضة الأولى التي بدأت من المجتمع ومؤسساته إلى الفرد، تختلف عن النهضة الثانية التي تبدأ من الفرد إلى المجتمع ومؤسساته، فالدولة استطاعت أن تنجز بنيتها التحتية ومعها أصول هوياتية واجتماعية وثقافية، والتنافس في العالم الحديث حيث تتراجع أهمية الحدود المادية لمصلحة مزيد من الانفتاح على العالم، يتطلب أفراداً مختلفين في أدواتهم، وعلى الدولة أن تعمل على تأسيس «جيل» جديد يمكن أن يمثلها وأن يحمل مشروعها.

هذه المهمة صعبة، وقد تستغرق عقدين أو ثلاثة من الزمن، ولكن أي تأخير ليس في مصلحة الأردن، هو لا يشكل سبباً لنتخوف فيه على الدولة، ولكنه سيكبد الأردن والأردنيين ثمناً باهظاً من تفويت الفرص، والأمير لا يطلق دعوة دون نصوص تأسيسية يمكن البناء عليها، ويضع أمام الأردنيين مجموعة من الوثائق والأطر النظرية التي يمكن أن يخوضوا من خلالها عملية الإصلاح وما تستتبعه من إعادة صياغة للمؤسسات وعلاقتها ببعضها بعضا، وأدوارها وصلاحياتها، بل وتحدد مدى وهامش الخطأ المقبول، ويضع الأمير «رسالة عمان التي تُشدد على روح التسامح والتع?دية والاعتدال والوسطية، وهو ما يتناسب مع المجتمع الأردني عبر تاريخه خلال المئوية الأولى من عمر الدولة»، والأوراق النقاشية السبعة التي قدمها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وهي الأوراق التي قوبلت بحفاوة بين الأردنيين جعلتها بعيدة عن التداولية، أي النقاش العام المفتوح الذي سعى الملك لإثارته وبناء التحالف الاجتماعي والسياسي اللازمين لترجمة هذه الأوراق إلى مكتسبات ملموسة.

أثناء جلسات الملك مع الكتاب والمثقفين الأردنيين يستمع جلالته إلى آراء متباينة، ومن تجربة شخصية، يشجع المتحدث على الاستمرار في استعراض وجهة نظره، التي قد تكون خاطئة، ولكنها صادقة لأن المتحدث يمكن أن يغيب عن معلوماته بعض أو كثير من التفاصيل، وطريقة الجلوس وترتيباته تحد من قدرة أي شخص على فلترة الحديث أو توجيهه.

أين تكمن المشكلة؟

ببساطة الأردنيون يسعون للحديث مع الملك، بكل ما لديهم من آراء متباينة، وبكل تعبيراتهم عن رؤى فئوية، ولكنهم لا يتحدثون مع بعضهم، لا يذهبون بمبادرات أو مقترحات، وليست هذه هي الدولة الأردنية، فالملك لا يفكر في فرض توجهاته وآرائه على الجميع، فهذا أسلوب يمكن أن ينجح في المدى القصير، ولكنه لا يحقق أي استدامة ولا يحقق الاستدامة أو التجذر.

يقدم الأمير مشورته للحكومات الأردنية من أجل الخروج بخطاب للمئوية الثانية في ضوء الوثائق التأسيسية التي تصلح للبناء عليها اجتماعياً وسياسياً، من خلال «مستوى هذا الخطاب ومصادره ومرتكزاته، ودراسة ردود الفعل الشعبية من النخب السياسية والفكرية والاجتماعية على كل المستويات، وتقييم هذه الردود لفهم مكونات الخطاب الرسمي، وتحليله وتقييمه، من أجل تقديم خطاب المئوية الثانية بموضوعية، لرتق الهوة بين الحكومات والشعب بكل مكوناته، وبناء حالة من الثقة التي يستشعر الدارس أنها تكبر ولا يمكن السماح باستمرارها»، وفي هذه النقط? تظهر شخصية الأمير الذي يسعى لأن يوظف المؤسسات لخدمة المواطن بالكامل، مع أن المطلوب أن تتقدم شخصية المفكر الصارم الذي يدعو المواطنين من خلال حراكهم السياسي إلى بناء جزء من الخطاب يكون قابلاً للتداول والنقاش والتنقيح والتصحيح والإثراء، فأين هي الأحزاب؟ وهل يمكن الركون لادعاءات المضايقات والمناكفات، وهل يتحقق الإصلاح أصلاً بالأمنيات؟ أين البرامج؟ أين المؤتمرات؟ أين المنتديات؟ أين الصحافة الحزبية التي يمكن أن تستغل الفضاء المفتوح؟ أين الخطاب الواقعي المتوازن الذي يسعى للحصول على المعلومة وعلى وضع نفسه في محل ?لمسؤولية بدلاً من الانتقاد من بعيد وبصورة نظرية وكأن إدارة الدولة تتم من خلال الأشكال البيانية والملونة، وكأن الأرقام مجرد لعبة صماء يمكن تغييرها ببساطة، مع أن كل رقم يحمل داخله مئات التفاصيل والتحديات المتعلقة بكل مدخلاته؟.

يقترح الأمير، وهنا تظهر شخصية المفكر أكثر، مرصداً ثقافياً في المشرق، وما نحتاجه هو البناء على هذه الفكرة لتكون ورشةً كبيرة من اللقاءات والحوارات والمحادثات التي تخلق تحالفات اجتماعية تعمل على معاينة الواقع ومقارنة الحلول والخروج بتوجهات تتكامل مع التوجهات الإصلاحية التي حملتها الأوراق النقاشية للملك، وتدخل في عملية جدل متكامل يكون المركب الذي ينتجه ذلك كله هو الطريق الذي يحملنا إلى المئوية الجديدة، ويعيد تقديم الأردن للعالم بذات الطريقة التي اعتادها منه، والتي وصفها الشاعر اللبناني سعيد عقل: «في حجم بعض ا?ورد إلا أنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصبا».

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF