لا تعتقدوا أني أسخر من الاسماء, ولا من الناس.. ولكنه موقف مر بي أول أمس في البلد..
ذهبت لتبديل بطارية هاتفي، ولأن المكان ضيق، خرجت إلى الرصيف.. كي أدخن سيجارة وقال لي الرجل الذي هم بتركيب البطارية, إن الأمر يحتاج لنصف ساعة.. وقفت أراقب الناس، يبدو أن كورونا أصبحت من الواقع وعلينا التعايش معها.. فالناس دائبة الحركة لا تكل ولا تهدأ.
فجأة توقف (بكم)، يقوده رجل وبجانبه المدام على ما يبدو، في حضنها طفلها الرضيع وفي الخلف أطفالهم.. أكبرهم ربما لم يتجاوز العاشرة من العمر, ولكن (البكم) مهترىء, والرجل أيضا ليس بحالة توحي أنه ميسور..ويبدو أن العائلة تعاني من الفقر..لكن ما لفت انتباهي, هو أن الرجل حين غادر البكم نادى على ابنته: (جوليان)..وهي ردت: نعم بابا.. وقفزت من (البكم).. وأثناء ذلك, تعثرت بالباب وطارت (فردة الحفاية) اليمين إلى الشارع ولأنها طفلة.. مسكتها على الفور فقد كانت قريبة مني جدا, وأحضرت (الفردة الطائرة).. اندفاعها ربما كان سيعرضها للدهس, وألبستها الحذاء.. بالطبع نحن في خدمة (جوليان)..
هم دخلوا لمحل خضار, وبدأ الوالد بالشراء (وجوليان) تساعده, ولكن المدام الجالسة في المقدمة, نادت على (جولي)... وطلبت منها الالتحاق بالعائلة.. وفعلا (جولي) هي الأخرى قفزت من البكم وانضمت إلى (جوليان).. تبين أن هناك (جولي) في العائلة أيضا.
فكرت قليلا.. (جوليان وجولي) وبكم, القصة غير منسجمة أبدا..ماذا لو أسماها ريم أو عبلة, أو منى.. هند ما بها الأسماء العربية..؟
المشكلة أن جوليان حين تكبر بالطبع ستتزوج من عبدالفتاح, وجولي ربما ستتزوج من (مجحم)..القصة ذكرتني بأول وجبة (سوشي) تناولتها في حياتي, فقد ذهبت بعمر (24) سنة دورة صحفية إلى ألمانيا, وحين جلست في المطعم بقلب مدينة (هامبورغ), أحضروا لي (السوشي)..احترت يومها هل أجرب العيدان التي يأكل فيهم رواد المطعم, أم أن القصة تحتاج إلى (الغماس)..لكن لايوجد خبز! في النهاية مددت يدي.. وعلى طريقة المنسف تناولتها, ولم يعترض أحد..الوضع لم يكن مناسبا أصلا, عبدالهادي راجي و(سوشي) العقل لا يقبل ربما.
في الأردن, نناقش الاقتصاد.. ونناقش السياسة, والدستور, نناقش الميزانية وتشكيلات الحكومات.. لكننا نقفز عن الأبعاد الاجتماعية, نحن نتصرف كأننا أثرياء..ونتقمص أدوار الأثرياء, وفي المقابل نغرق الإذاعات صباحا بالشكوى والنحيب وضيق الحال..وحين تأتينا طفلة (نسميها) جوليان..جوليان على الأقل تحتاج لأن تركب سيارة وليس (بكما) وتجلس في الخلف..مع ذلك أنا مؤمن أن (جوليان) ستكبر وستكون من أجمل البنات وستتعلم الحياة والحب.. أنا لا أعتب على (جوليان) ولكني أعتب على (البكم).. لهذا قررت أن أعاتب البكم.. فهو لايليق (بجوليان) أبدا..
ما من أحد يستحق أن تعاتبه هذه الايام... عتبي على البكم.
Abdelhadi18@yahoo.com
جوليان. .
10:12 13-12-2020
آخر تعديل :
الأحد